ثمة أغنية لطيفة جداً تتحدث عن ثقافة عربية متأصلة فينا وهي الخشية من لوم الناس تقول الأغنية: "لولا الملامة يا هوى لولا الملامة... لأفرد جناحي في الهوا زي اليمامة".

وعلى الرغم من أننا نؤكد لأنفسنا حقيقة "إرضاء الناس غاية لا تدرك" إلا أننا نقع دائماً ضحايا للخوف من كلام الناس ولومهم؛ مما جعل ذلك سبباً رئيسياً لاضمحلال الإبداع، وأوقف عجلة الابتكار نتيجة الخوف من تعليقات الآخرين؛ فلا نفكر حتى بمجرد التجريب.

من جهة أخرى، شجع الآخرين على استمراء هذه العادة والانشغال بها عدم استخدامنا للجملة الإنجليزية المعتادة في الغرب والتي لا تغضب أحداً وهي:

"Not your business"؛ أي: ليس من شأنك؛ فنسمح لأي كان بالحكم والتدخل في خصوصياتنا.

إن هذه العادة يتعدى تأثيرها الشخص الملام إلى الشخص الذي يحترف اللوم؛ لأنه ينشغل بك عن إصلاح ذاته؛ فيخيب مثلما خاب مسعاه، ولقد اكتشف سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذلك فقال: "طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس"، وطوبى منزلة في الجنة، وربما دخل بها النعيم الذي يجنيه الإنسان عندما ينشغل بإصلاح نفسه وتهذيبها والتفتيش عن النواقص فيها؛ ومن ثَمّ العمل على تطوير ذاته.

وفي السنوات الأخيرة تطورت عادة اللوم إلى الاتهام؛ حتى بتّ أظن أن الشريف لن يكون شريفاً حتى يلعن جاره الفاسق، والصادق لن يكون صادقاً إلا إذا اتهم شخصاً بالكذب، والعفيف لن يكون عفيفاً إلا إذا رمى إنساناً بالعهر، وندد بكل من يستطيع حتى يصبح سيدنا الفاضل الكامل!! ولا كامل إلا وجه الله.

ذات مرة، كنت مسافرة وبجواري زوجي حين توقفت امرأة وحيدة تبحث عن مكان لا يجاورها فيه رجل؛ مما اضطر زوجي للوقوف وتركها تجلس بجواري، وأثناء قراءتي لصحيفتي الوطن وجدت مقالاً لي؛ فأعطيتها الصحيفة وأنا سعيدة بنفسي ككاتبة في صحيفة الوطن، تطلعت نحوي باحتقار وقالت: كيف تكتبين في صحيفة ليبرالية، ألا تخافين من الله؟ شكّل لي ذلك صدمة!! ليس فقط لأن الوطن الصحيفة مثل الوطن الأرض يسع الجميع بكل أطيافهم وأفكارهم، والناس أحرار في قراءاتهم، ولكن أيضاً لأن المرأة نسيت أنها تسافر لساعات وحدها؛ لذا التفت نحوها وقلت: أنا أكتب في هذه الصحيفة ولا أسافر دون زوجي، بينما أنت لم يشغلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم"، فأينا الليبرالي؟ ثم فكرت قليلاً وقلت: ولكنك أيضاً لست ليبرالية؛ لأن الليبرالي يحترم حريات الآخرين، وأنت سافرت وحدك وفي نيتك اقتحام خيارات زوجين اختارا أن يترافقا في رحلة، وتسببت في افتراقهما بوقوفك الذي يستفز كل شهم ولو على حساب رضا زوجته، فلِمَ لم تخبري الشركة بشروطك ليجدوا لك مقعداً لا تتطفلين به على حريات الآخرين، ثم تدعين أنهم ليبراليون! فصمتت.