إن الناس الذين لا يفكرون بشكل بناء، لا يمكنهم إدراك ما أصابهم.. لهذا السؤال هنا: لماذا كل هذه الثورة ضد "السيداو"، وهي اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة؟ هذه الاتفاقية من أهم الاتفاقيات التي اعترفت بحقوق النساء بصفة شاملة وعامة وأقرت بأن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وكيان موحد غير قابل للتجزئة والتقييد، كما تمثل هذه الاتفاقية آلية مهمة للقضاء على التمييز لأنها تهدف إلى القضاء على التمييز وتقدم مجموعة من الإجراءات للحد منه والقضاء عليه. ففي عام 2000 وقّعت المملكة على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، مع تحفّظ عام على كل الاتفاقية و تحفظين بالأخص على بندين من بنودها الثلاثين: تحفّظ عام: في حال تعارضت أي من بنود الاتفاقية مع المتفق عليه في الشريعة الإسلامية فلن تلتزم السعودية بتنفيذ البند، تحفّظ خاص متعلّق بجنسية الأطفال حيث لا تمنح قوانين السعودية الجنسية لأطفال المرأة المتزوجة من غير سعودي . فلماذا هناك الكثير من الصراع والمعاناة في قضية حقوق المرأة؟ ولكيفية الارتقاء بحقوق النساء وبأوضاعهن نتساءل : لماذا وصلنا إلى هذه النقطة من المواجهة الحتمية مع القوانين الدولية التي تنظم وتتلمس حقوق واحتياجات النساء في مجتمعنا وحمايتهن من العنف.

آن الأوان للتشريعات والقوانين السارية النفاذ لدينا أن تترجم متطلبات الحقوق إلى واقع ملموس دون الرجوع إلى القوانين الدولية حتى لا تكون وضعية النساء رهينة تشريعات دولية أو قابلة للتأويل بطرق مختلفة ومتعددة لا تخدم مصالح النساء. فنحن مجتمع يستند في قوانينه إلى قراءة معينة للشريعة الإسلامية وأحكامها وتقوم هذه الأحكام على مبدأ القوامة المطلقة على النساء وتستمد شرعيتها من تأويلات النص الديني و حتى ما نسميه بالاجتهاد في التأويل وفي الدفاع عن واقع النساء وعن حقوقهن فإنه غالبا ما يخدم في نهاية المطاف السيطرة الذكورية..وبالرغم من متغيرات الحياة المدنية لم تستحدث حتى الآن تشريعات أو اجتهادات توقف العنف ضد المرأة بعد أن أصبح التشريع نظرياً أكثر من كونه واقعاً.

إن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع حقوق المرأة، ولكن مع غياب قوانين مدنية وغياب مدونة الأحكام الشخصية والمحاكم الأسرية نظل أمام وضع مربك على المستوى الدولي والاجتماعي كما في معارضة "السيداو" بكل ما تحمله من بنود . فمن المفروض هنا إصلاح وضع المرأة طبقا لمقتضيات العصر خصوصا أنّ كل ممارسات العنف المجحفة تجاه المرأة تعود في حقيقة الأمر إلى الممارسات الاجتماعية التي تتناقض تماما مع روح الإسلام وجوهره. ورفعا لكل التباس لا بد من التذكير بأن الكثير من المطالبات قد نادت بتطبيق مدونة الأحكام الشخصية والمحاكم الأسرية وهذا لا ينافي الأحكام الدينية ولا يتعارض معها.