ثالث أثرياء الهند وصاحب شركة "ويبرو" للمعلوماتية الملياردير الهندي عظيم بريمجي تبرع الأسبوع الماضي بمبلغ 2.3 مليار دولار لجمعية خيرية تُعنى بمجال التربية والتعليم، وقبلها تبرع كذلك عام 2010 بملياري دولار، حيث قام بتحويل أسهم بقيمة 2.3 مليار دولار من شركته إلى المؤسسة التي تمول تدريب المعلمين الهنود وبناء المدارس.

نعرف أن هذا الخبر قد يكون مزعجاً لكثير من أثريائنا، بعد أن فجعهم نادي "تعهد العطاء" والذي انضم له صاحبنا بريمجي الهندي مع الأربعين مليارديراً الذين تعهدوا وعائلاتهم بمنح أكثر من نصف ثرواتهم لمنظمات خيرية في مبادرة إنسانية متكررة قادها قائد كتيبة مايكروسوفت بيل جيتس وكبير مستثمري الإعلانات ووارن بفيت مع مجموعة من أثرياء أميركا.

تلك الاستجابة المشجعة والمبادرة النادرة تناقلها الكثير من الأثرياء في دول العالم برسالة عظيمة ليلحقوا بركب إنساني نقي في زمن حالك أصم أعمى عن كل محتاج، إحدى ركائزها التأكد من أن المساعدات ستصل إلى مستحقيها فعلاً، وهذا وحده يدفع ريبة الكثير من المتبرعين، الفكرة كانت أميركية الصنع والتطبيق من قبل أغنياء أميركا الذين نتغنى ونتفنن بشتمهم ليل نهار، وأحسب أن الحملة لم يكن القصد منها دعاية أو مباهاة أو مصلحة أو حتى إعلاناً أو ظهوراً في مجلة الأثرياء أو مؤتمراً وعشاء فاخراً! أجزم أنهم ليسوا بحاجة لذلك أصلاً، وأنا هنا لست بمدافع عنهم ولست وكيلاً لأحد ولكنها الحصافة فقط التي تجعل صاحبها يعيش الطمأنينة.

ومن قلب الأمنيات في عصرنا المتسارع ومدنيته الزائفة المتغلغلة في النفوس التي جعلت العمل الخيري والمبادرة له دون هوية في مجتمعنا كم تمنينا أن تكون تلك المبادرات من مجتمعنا الإسلامي لنصدرها للإنسانية وامتداداً نحو الأجيال القادمة، أو على الأقل ما دمنا نستورد كل شيء من الغرب فلمَ لم تستورد هذه الفكرة؟

أثرياؤنا نجدهم في مقدمة تصنيفات أغنياء المنطقة والعالم، وديننا يحثهم على الزكاة والصدقة والإحسان وأوجه الخير بسد حاجة الفقراء والمحتاجين والأيتام والأرامل، وبحسبةٍ بدائية لو حسبنا عددهم ومن تجاوزت حساباتهم الستة أصفار سنجد ناتج قسمة زكاتهم (المدفوعة) فقط في عامٍ واحد تجعل الفقر يئن ويولي هرباً من غير رجعة ولن يبقى فقير أو محتاج على خارطة وطني.

أثرياءنا.. هناك مبادرات (فردية)‏ لا ننكرها فمن أهل الخير من يدعم أعمال البر، ومن يقف وراء جمعيات خيرية ومشاريع إنسانية لكنها أيضاً لا ترقى لتلك المبادرات، وللأسف لم نجدكم داخل نطاق العمل الخيري الملموس وأعمال لم تتجاوز حدود أمنيات وكلام صوالين وأخبار صحف، فكم من رجل أو امرأة تعثرت بهم سبل الحياة وأعجزتهم عن سداد بضع مئات فقط من الريالات.. وكم سمعنا من ينقطون أمام الملأ (بنقطة) واحدة في ليلة فرائحية تصب في خانة الـ5 أصفار لتمثل مصروف أرملة وأبنائها تكفيهم العيش 365 يوماً!

وكم من ثري يستعرض ثراءه في شراء أحدث الطائرات واليخوت وطواقم الضيافة، وأساطيل السيارات الفارهة التي تجوب شوارع إدجوارد رود والشانزليزيه والسوليدير.. جعلت منا فرجةً للعالم وأنموذجاً لآبار النفط الخاوية!

أثرياءنا وتجارنا .. حملة "تعهد العطاء" من بيل جيتس ورفاقه كانت تخلياً عن نصف ثرواتهم وليس بدفع الزكاة أو الصدقة بل تبرعاً ورسالة آمنوا بها أن الإنسان لا يجب أن يأخذ فقط، تعلموا واكتشفوا أن أصل الحياة العطاء نحو الإنسانية، فليتها تكون عبرةً ودرساً نابهاً لفهم معنى المال والثروة وقيمتها في الحياة الفانية ببذل العطاء، وتطهير النفوس من الجشع والبخل والأثرة والأنانية.

أثرياءنا.. وأنتم تفكرون على حساب وطن وشعب كيف تضيفون كل يوم أصفاراً إلى حساباتكم البنكية هنا وهناك وآلاف الأمتار من مساحات خارطة وطننا.. ارحموا أموالكم وادفعوا زكاتكم وتذكروا أن قبوركم لن تزيد على مترين مربعين، وكلما زادت مساحات من يعتقدون أنهم لا يُغمض لهم جفن زاد القبر ضيقاً ونكالاً!