مطفوق: "وينك فاقدينك هالأيام؟ وين أنت داج فيه؟ توقعتك تمر علي نهاية الأسبوع علشان نطلع للاستراحة أو نتعشى جريش وقرصان في أحد المطاعم الشعبية".

أنا: "معك حق بس تراي سافرت أنا وعيالي كم يوم نغير جو".

مطفوق: "لعنبوذا الجو يا كثر ما نغيره حنا يالسعوديين نغير جو في الصيف وفي عطلة الفطر وفي عطلة الأضحى وفي عطلة الربيع وفي عطلة منتصف العام الدراسي وعد وغلط وتلقانا مشرقين ومغربين نبعزق فلوسنا على بلاد الله".

أنا: "طيب وش فيها؟ وين الغلط؟"

مطفوق: "الغلط في أن الواحد يشعر بالضيقة والكتمة في ديرته ويحس بالراحة والسعة برا الديرة، أكيد فيه عندنا خلل وفيه مشكلة، إذا فيه إجماع على البسطة والوناسة خارج البلاد فمعناها أن فيه إجماع على غياب أسباب الانبساط في المملكة. لازم ندري وش هي ونجيبها عندنا في الديرة.

أنا: اللي تتكلم عنها أشياء لا تجلب، هي أشياء معنوية وهي سلوكيات تمارس هناك وتترك هنا.

مطفوق: ما فهمت. علمني وش تزينون إذا سافرتم برا؟"

أنا: "أبد نروح حنا والعيال للمطعم أو للسينما أو للأسواق. ويصير اللي جنبنا عائلة سعودية من الجماعة واللي جنبهم مثلهم والعائلة اللي هناك منهم، وتلقى المطاعم مليانة بالعوايل السعودية ولو تلف كل مطاعم البلد تلقاها مزحومة وبالحجز والواسطة، وأحياناً يدبرون لك مكان بالبخشيش وكل الزباين سعوديين. أصلاً أهل المدينة الأصليين يهجرون المطاعم والمقاهي وصالات السينما في حالة وجود عطلة سعودية، والواقع أنهم لا يستطيعون مجاراة السعودي في تدافعه ودفعه وبخاشيشه وبالتالي فحتى أصحاب المطاعم والمقاهي والأسواق الكبرى يفضلونهم على أهل البلد".

مطفوق: "ما فهمت سبب الزحمة على المطاعم والمقاهي والأسواق يعني أكلهم فيه زود؟ أو أسواقهم فيها بضاعة ما تجينا وش سنع وسبب هالهيصه؟"

أنا: "أبداً. زي ما قلت لك يمارسون في بيروت ودبي ولندن وباريس شيء من الحقوق الإنسانية البديهية التي يحرمون أنفسهم منها في المملكة بسبب التضييق والتكلف، وهنا تكمن أسباب اللذة وسعة الصدر التي يجدونها خارج أسوار الوطن".

مطفوق: "تصدق ما كنا كذا من زمان، كانت الحياة أمرح وأريح، وكان الناس أكثر بساطة وأقل تكلفاً، وأقل توحشاً وتوجساً، وكانت نفوس الناس أنقى وأتقى، لكن الناس ضيقوا على أنفسهم فضُيق عليهم، كنا فيما مضى نقتحم بيوت الأقارب ونسلم على أهلها الموجودين رجالاً أو نساءً ويمكن أن نطعم ونتقهوى. والآن مع حجم الانعزال المتفاقم لم يعد بالإمكان أن تسلم أو تتحدث مع قريباتك. أين صلة الرحم والدم اللي ما يصير مويه؟ أين العيش والملح والطفولة المبكرة؟ هل علي أن أحرق ذاكرتي؟! يا شيخ صرنا مجتمع متوحش، ولا أدري من أدخلنا هذا النفق؟ لكن الأهم عندي الحين هو من الذي يستطيع أن يخرجنا من هذا النفق؟"

أنا: "مالك.. إلا تدق "ريوس" وتعيش على الذكرى".