رمضان على بُعد أسبوعٍ واحد. لا بُد أن موسم الزيجات قد انتهى، بعد أن استُهلكت فيه آلاف الأطنان من الورد والكعك والتـُّل الأبيض. لا بُدّ أن آلاف الصور قد التـُـقطت أيضاً لتخليد الذكرى (الجميلة كما يُفترض)، وصور الزواج سيتم عرضها لاحقاً على مُجتمع نساء العائلة والصديقات، وستتركز انتقاداتهن على جودة لمسات الفوتوشوب على وجه العروس أو الحركة الخرقاء للعريس، انتقادات تتعلق بالتفاصيل الدقيقة، في نوعٍ من التسليم بالإطار العام للصورة، بل وبالفكرة الجذرية لـ(صورة الزواج)، رغم أنه وقبل عشرين عاماً فقط، لم يكن التقاط الصور إحدى العادات المألوفة للحفلات، ولو حدث فستكون صوراً عفوية مأخوذة بكاميرا شقيقة العروس الـ(بولارويد) المنقرضة. لكن (صورة الزواج) لم تنجح فقط في التحول إلى طقسٍ مألوف ومتوقّع، لكنها حققت اختراقاً أيضاً على مستوى معناها وإيحاءاتها المصطنعة التي، وبشكل مذهل، تعاكس السياق الاجتماعي لكنها مع ذلك، تظل شرعية ومقبولة.

كَوني شاهدة على التطور السريع لـ(صورة الزواج) خلال الأعوام الماضية، أجده مغرياً أن أمارس نوعاً من تحليل الإطار العام لصور الزواج بعيداً عن التفاصيل الشخصية لأصحابها. فالصورة التي كانت تـُـلتقط ببساطة في إحدى الغُرف الـمُرتبة أو الأركان الجميلة في قاعة الحفل، أصبحت تـُلتقط في أي مكان مغلق أمام خلفية قماشية خاصة توفّرها المصوّرة. مهمّة الخلفية القماشية هي (تزوير) المكان، فقد تحمل منظراً لحديقة وخُضرة، وربما نهرا وجسرا أيضاً، تقف أمامها العروس. هذه اللقطة تذكّرني مباشرة بصور العرائس الأجنبيات التي تُلتقط في الحديقة الخضراء الصغيرة للكنيسة، الحديقة الحقيقية (كصورة تشيلسي كلينتون عروساً هذا الأسبوع). أو قد تكون الخلفية القماشية تحمل صورة قطع أثاثٍ كلاسيكي، كأنما التُقطت الصورة في رُدهة فندق فخم. أو قد تكون مجرد قطعة سوداء، لكنها تعطي انطباعاً أن العروس واقفة في فضاء مفتوح في جوف الليل، وكأنما لو مالت العدسة قليلاً لظهر طرف من حفلة (الكوكتيل) حول بركة السباحة! هناك أيضاً طابع الحميمية الذي يسِمُ أغلب صور الزواج. توجد نصيحة نسائية مألوفة تُقدّم للعروس مفادها أن تتخلى عن تحفظها وخجلها في الصور "... أو بتندمين بعدين". فالصورة الجميلة في الذوق النسائي هي الصورة الحميمة. وعند مطالعة الصور التي تعقب عقد القران ـ المِلكة ـ بالذات، يكون من المدهش ملاحظة مستوى الحميمية في الصور عند استحضار حقيقة أن العروس لا تعرف العريس تقريباً، وقد تكون جلسة التصوير هي النشاط المشترك الأول بينهما. في النهاية، ماذا سيرى مَن يُطالع (صورة الزواج) السعودية؟ سيرى عروساً سعيدة تقف في حديقة أو مكانٍ مفتوح وتشعر بالألفة التامة مع العريس. وبهذا لا تكون مهمّة (صورة الزواج) هي التقاط الواقع، بل تزييفه. تزييف المكان المغلق بتحويله إلى فضاء مفتوح، وقد شعرتُ بالتعاسة دائماً وأنا أنقل بصري بين روعة رُكن التصوير الـمُختلق وباقي الحجرة الخانقة. وكذا تزييف العلاقة المتوجسة وحالة الذهاب إلى المجهول التي تميّز الزواج السعودي، بتصويرها في أعلى حالات الألفة والانسجام، وقد تتبرّع المصوّرة وتضيف قلوباً حمراء أيضاً على ركن الصورة عند طباعتها.

تستمرّ (صورة الزواج) في إنتاج المعنى، إذا لاحظنا نسائيتها الخالصة. فالمصوّرة امرأة. وبطلة الصور هي (العروس). ومطالعة صور الزواج نشاط نسائيّ خالص تمارسه نساء العائلة والصديقات بمتعة كبيرة ولا يعبأ به الرجال، ولن يُتاح لهم ولو عبئوا.

(صورة الزواج) تُنتجها امرأة وتستهلكها امرأة. وعندما يتضافر ذلك الإطار العام المزيّف مع معالجة تقنية لتفاصيل الصور تُكسِب العروس أنفاً جديداً وبشرة لؤلؤية، تتضح بجلاء الغاية النهائية لـ(صورة الزواج)، وهي خلق الصورة الحُلُمية كما تنتجها مُخيّلة المرأة، حاشدة فيها كلّ الجماليات التي تتوق إليها: فضاء مفتوح، ألفة وانسجام، وكمالٌ جسديّ. يبدو أن المرأة تحتاج إلى تحقق الصورة الحُلمية ولو للحظة عابرة، لحظة مُتخيلة. بهذه الطريقة تتمكن المرأة بشكلٍ ما من اختراق السياق الاجتماعي الذي تعيش فيه. فـ(صورة الزواج) تمثل إحدى الحالات العبقرية التي تُنتجها الحياة الاجتماعية، عندما تبدو الظاهرة مألوفة ومقبولة رغم أنها تسمح بالتعبير عمّا لا يقبله المجتمع عادة. فلا المجتمع السعودي يتقبّل حضور نسائه ببساطة في فضاء مفتوح فضلاً عن السماح لهنّ بالاحتفاء بأنفسهنّ في هذا الفضاء، ولا هو يتيح لهنّ تربية كل هذه الألفة والطمأنينة مع العريس (المُحتمل). لكن المرأة تبدو مُخترقة بدورها أيضاً. فيتركز كل اهتمامها وعنايتها على الشكل المادّي للسعادة، طبعاً لأن الكاميرا لا تلتقط إلا ماهو مادّي. وتتسامح، بل وتنسجم، مع (اللحظة ـ الصورة) التي لا يكفي أنها مادّية، لكنها مزيفة أيضاً. أمام صورة العروس المعدّلة بالـ(فوتوشوب) حتى أصبحت لا تشبه نفسها، أفترضُ دائماً أن العروس ستشعر بالتعاسة لأن صورتها أجمل منها، ويُدهشني أنها تشعر بالسعادة القصوى. فكلّ شيء في (صورة الزواج) خضع لعملية تجميلية، فلمَ لا نُجمّل وجه المرأة ـ العروس؟

واحد من اقتباساتي المفضّلة من فيلم Cold Mountain يأتي على لسان (آدا)، التي تُضطر إلى تبرير وجومها في صورتها الفوتوغرافية فتقول: "لا أستطيع أن أحتفظ بابتسامتي لأكثر من ثانيتين". هذا لأنها لا تستطيع أن تبتسم إلا ابتساماتٍ حقيقية.