قبل أيام من رحلة الرئيس أوباما إلى إسرائيل، قالت لي مصادر مقربة من البيت الأبيض إن الهدف الرئيسي للرئيس سيكون التواصل مع الشعب الإسرائيلي وكسب وده. "هل تعني بأنه سيفعل أي شيء يريده نتنياهو؟" "لا، بأن يصبح محبوبا لدى الشعب الإسرائيلي." "مثل نجم غناء الروك." "صحيح."
في وقت مختلف، وفي ظروف مختلفة، حث البعض الرئيس أوباما على زيارة إسرائيل لكسب ود الإسرائيليين لدعم جهوده في تحريك عملية السلام. كان ذلك في 2009، عندما عين أوباما جورج ميتشل مبعوثا خاصا له في الشرق الأوسط، وبدا أنه ملتزم بإيجاد خرق في مسألة حل الدولتين. النصيحة للذهاب إلى إسرائيل جاءت من الرئيس كلينتون، الرجل الذي بذل جهودا حقيقية لحل القضية الفلسطينية – الإسرائيلية. جهود كلينتون توقفت فجأة بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على يد إرهابي يهودي، لكنه استمر فيما بعد حتى آخر يوم له في البيت الأبيض في محاولة للتوصل إلى السلام. حتى هذا اليوم، تعتبر الملاحظات التي كتبها كلينتون بخط يده من هذه المباحثات في طابا آخر أفضل خطة لحل الدولتين.
بالنسبة لأوباما، ذهبت أيام مبادرات السلام. قال أوباما للفلسطينيين "لا شروط مسبقة للمفاوضات" –تلك العبارة الكريهة التي صاغها شارون ويرددها الآن نتنياهو في كل مرة يأتي فيها إلى الولايات المتحدة ليظهر على شاشات التلفزيون أو ليتحدث إلى منظمة أيباك الصهيونية.
زيارة أوباما إلى إسرائيل كانت كلها استعراضا. ليس لديه نية لإضاعة أي "رأس مال سياسي" على عملية السلام في الشرق الأوسط. محادثاته السرية مع بنيامين نتنياهو كانت كلها حول الحرب –الحرب على سورية والحرب على إيران. في الواقع، ألقى أوباما بالقضية الفلسطينية كلها من فوق الحافة.
مقابل وعد من نتنياهو بإعطاء الولايات المتحدة القيادة في حل المسألة النووية الإيرانية، أعطى أوباما إسرائيل الضوء الأخضر للاستمرار في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. أوباما طعن الفلسطينيين من الخلف عندما طلب منهم العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل "دون شروط مسبقة" – ويعني ذلك نسيان حدود 1967 التي تضمنها قرارات الأمم المتحدة. أوباما طالب السلطة الفلسطينية أن لا ترفع أي دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهناك تقارير بأن الرئيس محمود عباس منح فرصة شهرين قبل أن تتخذ فلسطين أي إجراء. بالإضافة إلى ذلك، ابتز الرئيس أوباما الرئيس عباس لتأجيل أي اتفاق وحدة مع حماس، مقابل الإفراج عن 450 مليون دولار من المساعدات المجمدة في أميركا.
بعد ذلك قدم نتنياهو تركيا إلى مذبح تضحية نتنياهو. مقابل مجرد "اعتذار"، ومقابل تعويض رمزي عن الأضرار، تخلت تركيا عن جميع القضايا الحالية والمستقبلية ضد إسرائيل بسبب قتلها 9 عمال إغاثة، بما في ذلك أميركي من أصل تركي عمره 19 سنة، وتخلت تركيا أيضا عن النضال من أجل إنهاء الحصار الإسرائيلي القاتل حول غزة، حيث يعاني مئات آلاف الفقراء من نقص الغذاء والدواء ومياه الشرب.
يا لها من صفقة!
إذاً حتى ما يسمى بالاختراق الدبلوماسي –جعل نتنياهو يعتذر من إردوغان على الهاتف- كان كله حول الحرب. مع عودة العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى طبيعتها، تواجه سورية هجوما من جبهتين من الشمال والجنوب. وما أن غادر أوباما إسرائيل حتى دعا قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال جولان، إلى إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية على الحدود مع إسرائيل، في تكرار لقوات جيش لبنان الجنوبي التي احتلت أراض لبنانية تحت نهر الليطاني على مدى عقود بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي.
الرئيس أوباما حصل على ما يريد من زيارته إلى إسرائيل – فقد أصبح نجما محبوبا هناك ويمكن تحقيق خطته للسنتين القادمتين: إنشاء أكبر تجمع للحرب الدعائية في تاريخ أميركا، مليء بمساهمات مؤيدة لإسرائيل.
بالوقوف إلى جانب نتنياهو المتملق، بعث أوباما رسالة إلى الإسرائيليين اليمينيين والصهاينة الأميركيين والمحافظين الجدد بالتراجع عن أي هجوم جدي على الرئيس الأميركي. أمام جمهور من الطلاب الجامعيين الإسرائيليين المحبين تحدث أوباما بحرارة عن حل الدولتين، حقوق الفلسطينيين، وبعض القضايا الأخرى، دون أن يكون لديه نية في أن يفعل أي شيء. استطلاعات الرأي الشعبية أظهرت أن غالبية الإسرائيليين الآن يرون الرئيس أوباما كصديق لإسرائيل.
وبالتأكيد فإن الرئيس أوباما أخبر الإسرائيليين أنه أكثر تفاؤلا حول احتمال تسوية سلمية للقضية النووية الإيرانية. لكنه قدم لنتنياهو ومجموعة مختارة من المسؤولين الإسرائيليين أحدث تقييم استخباراتي للسعي الإيراني للحصول على قنبلة نووية، وتعهد في النهاية أنه إذا فشلت الجهود الدبلوماسية خلال الأشهر الـ 12 القادمة، فإنه سوف يلجأ إلى القوة العسكرية بكل تأكيد. لكن أوباما لم ينكر مطلقا أن إسرائيل لها الحق الكامل باستخدام جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن أمنها القومي.
باختصار، كانت رحلة أوباما إلى إسرائيل تتعلق بالصورة العامة لأوباما والسياسة الداخلية لأميركا. اهتمام الرئيس ينصب بالدرجة الأولى على إرثه. التخلي عن الفلسطينيين وتقديم تنازلات سخية لنتنياهو ثمن قليل بالنسبة لأوباما لمحبة الناس له في إسرائيل وكأنه أحد مطربي موسيقى الـ"روك".