كان الراحل زهير الكرمي بسمته الهادئ ووداعته المفرطة عاملا في جذبنا أطفالا إلى برنامجه العلمي "العلم والحياة" حيث الجولة الأسبوعية مع التقارير العلمية المترجمة والمنتقاة كمادة تلفزيونية لذيذة لأجيال وأجيال من المشاهدين العرب الذين نشؤوا على محتواه.. من خلال "الكرمي" تعرفنا على كوستو البحار الذي يجوب المحيطات بشعره الأبيض وكنزته البسيطة ليخترق أسرارها ويرصدها في بحوثه.. كان جاك كوستو مغامرا وعالما مميزا تخصص في الحياة البحرية ومخلوقاتها الهائلة، وأظن أن ستيفن إيروين مقدم البرامج الذي مات قبل أعوام تأثر كثيرا بكوستو لكنه تميز بخفة المعلومة ورشاقة التنقل مع مسحة كوميديا جذبت الأطفال قبل الكبار، كل هذا في قالب حيوي، في حين أن كوستو عجوز وجاد ورصين لكنه أبعد نجعة وأعمق بحثا. وأظن أن الراحل مصطفى محمود نقل فكرة برنامجه الشهير "العلم والإيمان" من برنامج الكرمي مع إضافة مسحة إيمانية عليه, برامج الكرمي ومحمود ذات محتوى مترجم تنتج من داخل الأستوديوهات الباردة، فيما كانت برامج كوستو وستيفن إيروين بثا مباشرا من مواقع الأحداث الطبيعية.

ويتذكر أطفال الثمانينيات برنامج "الحياة البرية في أميركا"، فقد كان البرنامج جذابا ولطيفا كلطف مقدمه الملتحي ذاك الذي لا أذكر اسمه، لكن في المقابل كانت حياة الطبيعة في أميركا أقل جاذبية منها في أفريقيا، لكن ذاك الوجه الودود جعلنا أصدقاء وأزال حاجز الإثارة المطلوب.

وفي صناعة الوثائقيات الطبيعية ينجح الإنجليز بتمكن، فالبرامج الوثائقية الطبيعة التي تنتجها "بي بي سي" لا تزال الأميز والأغزر في معلوماتها حتى مع وجود قنوات متخصصة كـ"ناشيونال جيوجرافيك" و"ديسكفري" و"أنيمال بلانيت"، إذ يبدو أن اشتراطاتها مع الزمن خلقت حالة ثقة وتكريس، كما يبدو أن أسعار المواد الوثائقية الطبيعية تشكل فرقا لصالح "بي بي سي", واليوم تتوارى البرامج الوثائقية العلمية لصالح الترفيه والخفة, لكن ملامح "الكرمي" و"محمود" لا تزال غائرة في أرواحنا عميقا كمعلمين وآباء، تؤرجحنا بين الاندهاش والحقيقة، وتعلق خيالنا على شغف الشاشة الجميل.