العطاء مرسوم برقّة على شفاهها المبتسمة، والإنجاز منقوش بكبرياء على وجهها المغطى بنقوش الزمن، لم تنظر إلى طول الطريق الذي قطعته، ولم يثنِ من عزيمتها المرض، تتبعت "الوطن" خطواتها فكشفت عن وعورة الطريق وحجم الإيثار.

لم تمنعها وفاة زوجها من الكشف عن ساعد الجد، والانخراط في العمل لتخوض في رحلة بيع اللحف منذ أكثر من عشر سنوات وعلى الرغم من تخطيها لعتبات السبعين من العمر، إلا أن ما يزينها حب العمل، والبحث عن الرزق، لم تركن إلى مقولة إن "التسول ملجأ لمن لا يملك المال"، مؤكدة أنها، هي نفسها، كانت لا تملك المال، لكنها جاهدت لتسد رمق عائلتها، لم تبالِ بالنظرة التي تلاحقها لتتقاعد عن عملها في صنع (اللحف وبعضا من الأشياء المتواضعة)، وعلى حسب قولها فإنها بسطت كفها على منضدة الزمن من خلال ما تصنعه من أنواع اللحف التي تقي غيرها من برودة الشتاء، فمنها كما تقول: (المضرب، والمفرد، والمجوز، والمقصب، والسادة، والمشرشر، وصاحب الخط الدائري، وآخر لحاف التربيعات، والجنابيات الصوف بأنواعها التي تبتاع من عندها لبيوت الشعر).

إنها أم نواف عندما التقتها "الوطن" كانت تضع اللمسات الأخيرة على (لحاف مزوج) أي لفردين، تلك اللمسات كانت برشة بمخلوط القرنفل والمحلب وبعض من العطور التقليدية التي تصنعها بنفسها.

وأوصت أم نواف بضرورة استخدام اللحف والجنابيات المصنوعة من الصوف لأنها مفيدة صحيا للجسم وتريحه، وتابعت أنا لا أقصد الترويج لبضاعتي، ولكنني أنصح كل مريض يعاني من مرض الديسك أو التكلس أن ينام على مرتبة من الصوف ووسادة صوفية، وعللت السبب في ذلك كون المراتب والوسادات الجاهزة لها مضار كثيرة تؤذي الظهر والرقبة وتعرّض الشخص للآلام، وعن الذين يترددون على ما تصنعه من اللحف قالت: معظمهم من الأشخاص الذين لا يزالون يهتمون بصحتهم ويتبعون تقاليد أجدادهم، وأكثرهم من ربات البيوت لأن الموظفات ليس لديهن وقت لهذه الأمور.

وعن سبب لجوئها إلى هذا العمل تقول أم نواف: توفي زوجي في عام 1423، ولي من الأبناء (8)، خمسة منهم ذكور وثلاث بنات، أربعة من أبنائي لا يزالون يبحثون عن وظائف، اثنان منهم أتموا التعليم الثانوي والبقية لم يتجاوزوا المرحلة المتوسطة، وبحكم الظروف التي حاصرتنا من كل جانب، ولأن تقاعد زوجي لا يتجاوز 1700 ريال، ولأن ما يصلني من الجمعية الخيرية من مؤونة لا تفي بمتطلبات الحياة، لذلك سعيت إلى هذا العمل، وكان الدافع الوحيد لي كف اليد عن السؤال، فهو وحده من منحني كينونة البقاء بغض النظر عن الصعوبة التي أواجهها، وسط نظرات أبنائي الذين لا حول لهم ولا قوة سوى مساندتي في رفع وفرش اللحف التي عجزت عنها مؤخرا بحكم تعبي ووهني.

وأضافت أم نواف: لطالما تذمر بعض من أبنائي من عملي هذا خوفا علي من التعب والمرض حيث أصبت مؤخر بداء السكر والضغط وضعف في المفاصل بالإضافة إلى ضعف في النظر.

في المقابل لم تشعر أم نواف بأي حرج من عملها حيث تقول: بفضل من الله لم يساورني الخجل من عملي في صناعة اللحف، وجميع من في الحي يقدرونني ويحترمونني صغارا وكبارا.

أنهت "الوطن" حديثها مع أم نواف وهي لا تزال منحنية في حياكة أحد اللحف الذي خصت به أحد الزبائن، وهي تفتل الخيوط وتغرسها بقوة في الصوف المغطى بالقماش الذي يتطلب منها قوة مضاعفة.