لا شيء يعدل كلمة "بابا وماما" في نفس الوالدين من فم طفلهما.. لحظة تنتعش فيها الروح وتملأ السعادة النفس. وعندما ينتظر الجميع هذه اللحظة وتبدأ بالتأخر؛ يبدأ انتظار الفرحة بالتلاشي، ويحل محله ترقب قلق، ثم حيرة كبيرة تبدأ بزيارات الأطباء وتلمس السبب. وفي الطريق يداعب الأمل عند بعض الراقين والمقرئين.. تلك لحظات عنيفة التأثير لا يحس بها إلا من جربها، ثم يأتي تشخيص لحالة الطفل الغريبة، أنه مصاب بالتوحد.. كلمة لم يكن المجتمع يعرفها قبل 20عاما إلا ما ندر، ثم أصبحت محور حياة الآلاف من الأسر في السعودية.
يشرح لهم الأخصائي أن كثيرا من عباقرة التاريخ كانوا توحديين، لكنهم يريدون ابنهم أن ينطق أو حتي ينظر إليهم.. لا يهمهم أن "أينشتاين" كان توحديا أو غيره، بل يهمهم أن يتحسن ابنهم أو ابنتهم.
مئات القصص المدمية للقلب، لأب وأم رزقهما الله بـ 3 أو 4 أطفال توحديين فشكروا وصبروا، وأسر كرست حياتها وهجرت المجتمع لتعتني بأطفالها.. وأسر سافرت لتؤهل أبناءها في الخارج، وسخّرت كل دخلها لذلك، وبينما تسجل الذكريات مراحل الطفولة الجميلة والمراهقة المتمردة والرجولة والأنوثة للأطفال؛ تسجل المعاناة يوميات أسرة التوحدي. وبعيدا عن الدراسات والمقارنات، عصي على فهمي أن يذهب مئات السعوديين ليدخلوا أبناءهم علي حساب الدولة في بلد أجنبي، تبلغ ميزانيته كاملة نصف ميزانية وزارة الصحة، لا عيب أن يكون لك ابن أو أخ مريض نفسيا أو توحديّ أو "داون سيندرم"، وسحقا لعادات يسافر فيها الأصحاء ليتمتعوا بحياتهم، ويوكلوا أمر ابنهم أو ابنتهم للخادمات أو غيرهم. ثم تجتمع العوائل ويتبادلون الابتسامات والعزائم، فيدخل التوحدي ويقولون "وش جابه دخلوه"!.
فخري أن لي أخا توحديا سنسعي مع والدي ووالدتي ـ رعاهما الله ـ لأن يتحسن ويتواصل، وألمي على آلاف العوائل التي أتعبها الصبر والكفاح وعاشوا سنوات؛ كي يبتسم لهم ابنهم أو ابنتهم، أما سلطان فله أهدي هذا المقال فهو أخي وعزوتي حتى لو لم يقرأه.. فربما سكت اللسان ولم تركز العين، لكن القلب حي..