بعد أيام، ينعقد المنتدى الوطني لتفعيل المسؤولية الاجتماعية بين القطاع العام والخاص، ليستعرض نتائج المنتديات السابقة في برامج وخطط المسؤولية الاجتماعية. وللحقيقة، إن هذه المنتديات هي مبادرات متميزة من الغرف التجارية الصناعية بالمملكة ومنتدى المسؤولية الاجتماعية الذي يرعاه سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة صاحب المبادرات الخلاقة والمبدعة في مختلف المجالات. المنتدى الذي يحقق أحد أهم الأهداف الرئيسة التي وضعها مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة منذ بداية الدورة الحالية، والذي تبنى هذا الهدف الشيخ صالح كامل رئيس الغرفة ودعم جهود القائمين عليه وعلى رأسهم رجل المسؤولية الاجتماعية الأستاذ أحمد الحمدان رجل الدولة القدير الأمين، مدير عام وزارة المالية بمنطقة مكة المكرمة سابقاً ورجل الأعمال الخيري والتوفيقي رئيس لجنة المسؤولية الاجتماعية في غرفة جدة.

ورغم الجهود التي تبذل من جميع الغرف والإمارات والأمراء في مجال دعم برامج المسؤولية الاجتماعية إلا أنها وللأسف تواجه بتقاعس من بعض مؤسسات القطاع الخاص في أداء دورها تجاه المجتمع الذي يعملون به ويحققون معظم أرباحهم فيه، وهذا لا يعني أنه ليس هناك تطور في مفهوم المسؤولية الاجتماعية إلا أنه تطور محدود لا يرقى إلى مستوى طموحاتنا، أو يتساوى مع حجم الأعمال والمشاريع أو الأرباح المحققة من قبل بعض الشركات.

ويؤسفني ـ كل الأسف ـ أن البنوك السعودية، رغم أنها من أكبر الداعمين لبرامج المسؤولية الاجتماعية، إلا أن حجم مشاركتها لا يقارن بحجم الأرباح المحققة، وكذلك شركات الاتصالات التي تحقق ثاني أكبر أرباح للشركات السعودية، إلا أنها لم تصل إلى المستوى الذي نستطيع من خلاله أن نصنفها ضمن الشركات الداعمة والمتميزة في مجال المسؤولية الاجتماعية، رغم جميع الدعايات التي تقوم بها سواء في المجال الرياضي أو الأنشطة الثقافية، إلا أنه يضيع ويغيب دورها عن المجال الصحي، وعلى وجه الخصوص مرضى السرطان وضمور الدماغ نتيجة ذبذبات محطات وأبراج تقوية الاتصالات المنتشرة في المملكة، وكنت أتمنى أن يكون ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية لشركات الاتصالات رصد مبالغ لدعم البحث العلمي الطبي في مجالات السرطان أو جلطات الدماغ ودعم المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة. كما يغيب دور شركات (المكيفات)، وأقصد مستوردي الدخان بأنواعه (سجاير ومعسل وجراك)، التي أثبتت الدراسات العلمية أنها أحد أهم اسباب سرطان الرئة. وتغيب عن برامج المسؤولية الاجتماعية شركات السيارات التي تعد من أكبر الشركات التي تحقق أرباحا في المبيعات والصيانة، عدا شركة عبداللطيف جميل الشركة الرائدة في المملكة في مجال المسؤولية الاجتماعية، وقد أكون مبالغا فهي الأكبر والأكثر إنفاقاً، وهي الشركة الوحيدة التي لها خطط وإستراتيجيات في برامج المسؤولية الاجتماعية. وتغيب عن برامج المسؤولية الاجتماعية بعض الشركات المساهمة وعلى رأسها شركات الأسمنت في المملكة التي استفادت من قروض صندوق التنمية الصناعية بالآلاف والملايين، وتحقق أرباحا خيالية، ويتوقع أن تحقق أعلى الأرباح في سنوات التنمية العمرانية. أما تجار العقار والمخططات العقارية فهم الأكثر والأسرع ربحاً في مجال العمل التجاري إلا أنهم يتوارون عن مجال برامج المسؤولية الاجتماعية. ومن دون الدخول في تفاصيل المقصرين من القطاع الخاص، أرى أن برامج المسؤولية الاجتماعية في المملكة تعمل دون خطط مدروسة ودون برامج مشتركة، ويغيب عنها العمل المؤسسي وتعتمد على اجتهادات بعض القيادات في القطاع الخاص ومبادارت بعض رجال الأعمال، وفي غياب التنسيق بين برامج المسؤولية الاجتماعية في القطاع الأهلي تتكرر المبادرات أو تتركز في مجال واحد دون المجالات الأخرى.

ولقد طالبت في مقالات سابقة بأن يكون هناك مركز وطني لبرامج المسؤولية الاجتماعية تحت إشراف القطاع الخاص ممثلا في مجلس الغرف السعودية وعضوية الغرف التجارية، والأعضاء الرئيسون هم الشركات الرائدة في المملكة لوضع خطة وطنية وإستراتيجية واضحة لهذه البرامج، التي ـ كما أسلفت ـ تعتمد على أهواء الرؤساء والمديرين العامين في كبرى الشركات، وتعتمد في مساهمتها على ضغوط ونفوذ أمراء المناطق والوزراء وبعض كبار المسؤولين. وكم كنت أتمنى أن تقنن الدولة في نظام الشركات بإقرار نسبة من الأرباح لبرامج المسؤولية الاجتماعية.

وقبل أن أختتم مقالتي اليوم أجد أنه من الواجب علي أن أشيد بمبادرة رجل الأعمال العريق وأحد رواد التجارة في المملكة الشيخ سراج عبدالسلام عطار الذي خصص مبلغ مائة وخمسين مليون ريال لبناء أحد المشاريع الإنسانية، وهو أكبر مشروع لرعاية وتعليم الأيتام في مكة المكرمة، الذي بدأ بالفعل تنفيذه ويتوقع الانتهاء منه في منتصف العام القادم.

وليسمح لي الشيخ سراج عطار بنشر هذه المعلومة رغم رفضه الإعلان عنها، إلا أن ذلك لرغبتي في أن يقتدي بعض التجار بهذا النموذج ويقدموا مبادرات متميزة في مجال برامج المسؤولية الاجتماعية، فهي تسهم في تنمية المجتمعات، وهي واجب وليست صدقة أو زكاة أو حسنة على المجتمع، ففي كل نظام لا يفرض الضرائب على التجار، يكون أضعف الإيمان أن تكون لهم مساهمات اجتماعية تخدم المجتمعات التي يحققون فيها أعلى الأرباح.