الحملة النشطة التي تقوم بها وزارة العمل، بالتعاون مع بعض الجهات الرسمية للقضاء على العمالة السائبة، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولا شك في أن توجيه الملك عبدالله الجهات المعنية بإيقاف الحملة، ومنحهم ثلاثة أشهر لتصحيح أوضاعهم هو استجابة كريمة، وإعطاء فرصة بحيث لا يبقى عذر لأي إجراء تتخذه الجهات المختصة للعمال المخالفين ومن يقف خلفهم.

في اعتقادي أن مسألة تصحيح الأوضاع ليست خاصة فقط وفقط بالعمالة السائبة، بل حتى بعض الأجهزة التنفيذية وعلى رأسها وزارة العمل، فليس من المعقول أن نرمي الكرة في ملعب العمالة السائبة، وكأنها هي السبب الرئيس في خراب السوق! هل تذكرون الحملة المماثلة الأولى التي كانت قبل 13 عاما؟ ماذا استفدنا من تلك الحملة؟ هل الحل السحري يكمن في الترحيل؟ ها هي المشكلة تعود لسابق عهدها من جديد، وإذا استمر تعاطينا بذات الطريقة فسوف تتكرر المشكلة على طريقة "كأنك يابو زيد ماغزيت"، ولكن إذا أردنا العلاج، فيجب أن نضع أيدينا على الجرح بشكل مباشر بدلا من معالجة الأعراض التي لا تلبث أن تتكرر من حين لآخر.

الحل يكمن ببساطة في إلغاء نظام الكفالة، ولست متسامحا عندما لم أستبدلها بعبارة ضرورة إعادة النظر في نظام الكفالة. إذ إن نظام الكفالة القائم حاليا يعد لدى البعض كنزا لا يضاهيه أي كنز، يجلب عليهم مئات الملايين من الريالات، فهو يحقق المصلحة لكثير من المستفيدين من إبقاء النظام على ما هو عليه حاليا من التستر على العمالة السائبة، واستخدامهم للمتاجرة بالتأشيرات تحت غطاء مؤسسات وهمية، حتى إن تجارة "الفيز" أصبحت سمة من سمات المملكة تعرفها كل الدول التي تأتي منها العمالة. أما عدم تسامحي لعبارة "إلغاء نظام الكفالة" فهو ليس بجديد، فهناك قرار من مجلس الوزراء صدر قبل 13 عاما وهو قرار رقم 166 وتاريخ 12/ 4/ 1421، ينص على إلغاء مصطلح كفيل ومكفول، واستبدالهما بالعامل وصاحب العمل، إذ أكد القرار في مادته السادسة على الجهات المختصة التعامل بالحزم مع كل صاحب عمل يتسبب في تعليق أوضاع العمالة الوافدة المسجلة عليه النظامية أو المالية، أو يعمل على تأخير سداد أجورها أو مستحقاتها أو أخذ مبالغ مالية مقابل إنهاء إجراءاتها، إلا أنه يلاحظ عدم تطبيق هذه القرارات.

حقيقة أقولها بكل صراحة: لقد سئمنا من التصريحات المتكررة للمسؤولين منذ سنوات وحتى يومنا هذا بإلغاء نظام الكفيل، ولا نرى شيئا على أرض الواقع، فالسلبيات الناتجة عن نظام الكفالة هي ما نراه الآن على السطح من الكثافة الهائلة للعمالة الوافدة، خاصة غير النظامية التي قد تصل في بعض التقديرات إلى 5 ملايين عامل. فضلا عن كون أسلوب الكفالة يناقض الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، الأمر الذي يسيء إلى سمعة البلد، ولا يحقق إلا مصلحة لبعض المواطنين الذين استغلوه استغلالا سيئا. الحل تم طرحه للمقام السامي منذ سنوات من قبل مجلس الشورى والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، فى إنشاء هيئة حكومية مختصة بشؤون الوافدين، يتم فيها إعداد الخطط والبرامج الخاصة بالعمالة الوافدة وبسوق العمل، وتحدد فيها الأجور تسمى "هيئة شؤون العمالة الوافدة"، تحل محل أرباب الأعمال فيما يتعلق بأحكام الكفالة لتقتصر علاقة العامل ورب العمل على علاقة العمل التي ينظمها نظام العمل، أما فيما يتعلق بترخيص الإقامة وما يستتبعه من آليات، فتختص بها الهيئة الجديدة لتحل بدورها محل صاحب العمل وتكون هي الكفيل المنشود وما يستتبعه من تفعيل لمضمون قرار مجلس الوزراء رقم 166 والمعطل على مدى ثلاثة عشر عاما.