تمثل الصين اليوم، قصة نجاح اقتصادي غير مسبوقة. فالاقتصاد الصيني كان من أول الاقتصاديات التي تغلبت على آثار الأزمة المالية العالمية، وعاد لتسجيل أرقام نمو في الناتج المحلي مقاربة لأدائه قبل الأزمة.

قصة النجاح الاقتصادي الصيني ليست طويلة العمر، فقد بدأت في تسعينيات القرن الماضي. ففي ذلك الوقت، تبنت الحكومة الصينية سياسات الاقتصاد الحر وخففت من القيود على الاستثمار الأجنبي المباشر. وبالتالي فقد أتاحت الفرصة لرؤوس الأموال والشركات المتعددة الجنسيات من الاستفادة من الميزات الاقتصادية الصينية المتمثلة في انخفاض تكلفة اليد العاملة، وإنشاء قواعد صناعية واسعة تنتج كميات هائلة من المواد الاستهلاكية المنخفضة التكلفة. فهمت الحكومة الصينية في ذلك الوقت أنها لن تكون قادرة على تحويل اقتصادها الزراعي إلى اقتصاد صناعي بجهود ذاتية، وهذا ما دفعها لتحرير الاقتصاد.

هذا التطور الصناعي دفع عجلة النمو في الناتج المحلي الصيني إلى ما فوق 10% كل عام منذ منتصف التسعينيات. كان لا بد أن يؤثر هذا النمو السريع على المجتمع الصيني بشكل عام. فالنمو المتزايد ومعدلات البطالة المنخفضة رفعت من المستوى المعيشي للمواطن الصيني، وبالتالي تزايدت متطلبات واحتياجات السكان الاستهلاكية.

بالإضافة إلى ذلك نمت احتياجات القاعدة الصناعية من المواد الخام والطاقة، وحتى تحصل الصين على احتياجات اقتصادها المتنامي، بدأت بالتأسيس لمرحلة اقتصادية جديدة هي مرحلة الاستثمارات الخارجية. وأثمرت مرحلة تأسيس القاعدة الصناعية فوائض نقدية كبيرة، مكنت الاقتصاد الصيني من بناء استثمارات خارجية في مجالات التعدين والنفط والغاز بنفس السرعة التي بنت بها قاعدتها الصناعية.

وكانت القارة الأفريقية أهم وجهات الاستثمارات الصينية، إذ تفتقر دولها إلى كافة أشكال البنية التحتية. وحتى تتمكن الصين من الحصول على تلك المواد الخام بأقل التكاليف وتتأكد من استمرار الإمدادات المستقبلية منها، فقد بنت الاستثمارات الصينية الطرقات والسكك الحديدية والموانئ في الدول المصدرة لاحتياجاتها.

دائما ما يصاحب النمو السريع للاقتصاد انعكاسات تضخمية تؤثر على أسعار السلع والأصول.

وقد بدأ ظهور فقاعة سعرية في أسعار الأصول العقارية في الصين بسبب تهافت المضاربين المحليين والأجانب على الشراء قبل الأزمة المالية العالمية. وتباطأت هذه المضاربات بفعل الأزمة، ولكنها عادت بوتيرة أقوى بعدما تبينت محدودية آثار الأزمة على الاقتصاد الصيني.

وبدأ المحللون من أرجاء العالم في الحديث عن انهيار وشيك في الاقتصاد الصيني بسبب انفجار فقاعة العقار المتوقع. الحكومة الصينية تدخلت بشكل مباشر في سوق العقارات لتخفيض الأسعار مخالفة قواعد السوق الحر التي تبنتها لإصلاح اقتصادها.