للعمل قيمة اقتصادية واجتماعية هامة طالما كان شريفاً، ولا يعيب الإنسان إذا كان يعمل بوظيفة متدنية طالما كانت هذه الوظيفة تكفيه السؤال. هذا ما أكده المستثمر ورجل الأعمال مدير عام شركة إنكور الأوكرانية الدكتور روسلان تربان؛ حيث توجه لشباب في متنزه السودة يبيعون الشاي وأكواز الذرة بقوله: الأعمال الحرفية ما زالت للأسف يراها البعض من الأعمال المتدنية وهذا يشكل خطأ كبيراً، فهذه الأعمال هي سمة العصر وهي البداية نحو سير الشباب على الطريق الصحيح. مضيفاً أن العمل هو عصب الحياة وهو القنطرة التي تعبر من خلالها الأمم إلى عالم الرقي والتحضر.

يقول رسلان مخاطبا شبابا سعوديين يصنعون الشاي على الجمر: لو تأملنا حال الأمم التي تأخرت عن اللحاق بالركب نجد أفرادها يتميزون بالكسل والخمول واحتقار هذه المهن مما حدا بالكثير من أفرادها للابتعاد عنها حياءً وخجلاً حتى وإن كان يعاني من الفقر والحاجة والعوز، وهذا عين التخلف في التفكير، حيث تبقى الأمة تستهلك تجارب الآخرين وتستوردها دون تمسك بزمام المبادرة فتصدر تجاربها للآخرين.

ويشير رسلان إلى أنه في المقابل نجد أمماً أدركت أن جميع أنواع العمل أيّاً كانت لا يمكن تجاهلها، فكان نتيجة ذلك أنها تطورت تطوراً مذهلاً سبقت به غيرها حتى أضحت دولا صناعية، وهذه نتيجة طبيعية لاحترامها لكل عمل والجدية في تطبيقه، فمن هنا يجب على المجتمع السعودي أن يحترم هذه الأعمال وأصحابها، وسيأتي اليوم الذي نسمع فيه أن الشباب هم من يقولون مرحباً بالعمل أياً كان.

وعلى مقربة من أعلى قمة في السعودية "السودة" وتحديداً بالقرب من مفرق عقبة الصماء، جلس شباب سعوديون يصنعون أنواعاً من الشاي على الجمر، في غير وقت الذروة، التي تكون عادة في الموسم السياحي في فصل الصيف، حيث قال محمد العسيري، أحد الشباب العاملين بهذا النوع من تسويق المشروبات الساخنة التي تقدم على قارعة الطريق: صحيح أن هذا ليس موسماً لكن لدينا الكثير من الزبائن، هناك من يفضل زيارة السودة في الشتاء، أو من يحبذ النزول إلى محافظة رجال ألمع ومنها إلى المناطق الدافئة.

"الوطن" التقت في السودة بمدير عام شركة إنكور الأوكرانية الدكتور روسلان تربان والمدير العام في الشرق الأوسط الأوكراني من أصول عربية محمد الخطيب، حيث قال الأخير: هناك أوجه شبه بين السودة وبين جبال في العاصمة "كييف" الارتفاع يتقارب من بعض 2900 م عن سطح البحر، المناخ قد يكون أكثر برودة في الشتاء عندنا يصاحبه تساقط الثلوج، لكن جو السودة هذا اليوم 12 درجة مئوية، وهو ما يلامس ذات الدرجة عندنا في الصيف، أعجبتني هنا أشجار العرعر واعتمادها على رذاذ الضباب ولفح السحب العابرة من خلالها، هذه النسائم الباردة تشعرني بالسعادة وأنا أرتشف الشاي الجميل المعد من هؤلاء الشباب.

وتوجه الخطيب إلى أحدهم وقال له: من هنا أنت تقف على الطريق الصحيح اخلص في عملك، وستحصل على المال، ستجد نفسك حينما تعودها عصاميا، وستشق طريقك بنجاح، لا تحتقر العمل فالكثير من رجال الأعمال بدؤوا كحكايتك، من هنا تتعلم الممارسة، فقط اصبر وواظب، واحلم كثيرا، وسترتقي متى ما اعتمدت على الله سبحانه وتعالى ثم على نفسك، الأعمال الصغيرة قد تصبح في يوم ما عظيمة. الأوكرانيان روسلان والخطيب يشاطرهم مضيفهم رجل الأعمال مسفر السريعي هذه الجولة بالسودة، وثلاثتهم استمعوا إلى العسيري وهو يشرح طريقة إعداده للشاي وهو يشير إلى أنهم يصنعون أنواعا عديدة من الشاي سواء الأحمر أو الأخضر وبنكهات متعددة بواسطة الحبق والوزاب وأنواع من النباتات العطرية تدخل في مراحل إعداده، وهنا يصبح مذاق الشاي أجمل عند إعداده على الجمر، وهذا ما يدفع الجميع للتوقف هنا، تزامناً مع فرصة التمتع بأجواء وطبيعة السودة الرائعة، وبالطبع، لا يكتمل المشهد إلا بالتلذذ بشرب الشاي الساخن في الهواء الطلق. والعادة أن معظم المسافرين يطلبون كوبا آخر لرحلة العودة وصولا إلى أبها.

وبينما كان الدكتور روسلان يحتسي الشاي الخاص به على مهل، تحدث أمامنا عن طبيعة المكان الجميلة التي تغري السائح بالتوقف هنا حتى ولو لبضع دقائق.

وقبل أن يغادر ساحة إعداد الشاي متجها إلى سيارته، قال لنا إنه في كل زيارة له لعسير أو لأحد من أصدقائه الأوكرانيين سيحرص على أن يبلغهم أن يتذوقوا شاي الجمر في السودة.

ويتجه بعض الشباب في منطقة عسير على استثمار أوقات فراغهم في بيع شاي الجمر بأنواعه المختلفة والمزودة بنكهات الحبق والنعناع والزنجبيل أو الخلطات السرية الخاصة بهم. ويبيعون منتجهم على الطرقات وفي المتنزهات التي يكثر فيها الرواد والمسافرون. ويعتبر هؤلاء الشباب أن بيع الشاي المصنوع بطريقة خاصة متعة لهم؛ حيث يشاهدون مدى إعجاب الزبون بما يقدمون، حتى إنهم يؤكدون أن الزبون يشعر وكأنه انتقل إلى زمن الماضي الجميل. ويقولون رغم أننا نبيع في الطرقات بنظام وترتيب يشد انتباه الزوار في المتنزهات ونعتبر بيع الشاي وسيلة للعمل وكسر الروتين والتغلب على أوقات الفراغ، إلا أننا كثيرا ما نطارد من قبل الأمانة ولهذا فهم يطالبون بتخصيص مواقع خاصة بهم لبيع الشاي تجنبا لمطاردة الأمانة لهم.