قبل أسبوعين بينما كنت أتجول على شبكة الإنترنت، عرجت على بعض المنتديات الاجتماعية، وكان من بينها أحد المنتديات الأكثر شعبية في جيزان، وقد شدني أحد المواضيع المدرجة به تحت عنوان "ساعدوني تكفوووون.. (.....) فرمت الولد"!! وقد جاء في نص الموضوع رسالة من والد أحد الشباب اليافعين، أنقلها لكم (بتصرف لغوي وإملائي): "بسم الله الرحمن الرحيم.. الحكاية باختصار شديد، لي ولد ملتزم ولا أعلم ما الذي تعنيه هذه الكلمة وما أعرفه أننا مسلمين، نجتهد في أداء واجباتنا الدينية ونقدس الله ثم الوطن، ونحترم ولاة الأمر حفظهم الله.

المهم ولدي في فترة من الزمن أحسست بتغير في سلوكه، أهمها الانطواء والعزلة والإعجاب بأسامة بن لادن ومن شابهه، ويتكلم بذلك الفكر - أعني فكر القاعدة - ولا يخفى على أمثالكم هذا الفكر وأتباعه. فأحسست بالخطر على ولدي، وبدأت أعد العدة لاستعادته قبل فوات الأون، والحمد لله نجحت بتوفيق الله، بإقناعه أن القتل والعنف ليسا من الاسلام، وأن من كفر مسلما فعقابه شديد، طبعا كل ذلك بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة، والحمد لله رجع ولدي لطبيعته كمواطن صالح بإذن الله..

وفجأة وبعد ما سمع ذلك الداعية الشيخ (....)، يمتدح ذلك التنظيم وأصحابه انهار كل ما بنيته، خاصة أن الشيخ (....) له تأثير عجيب على كثير من الشباب، وتألمت كثيرا جداً جداً فبأي وجه أقابل ولدي، وهل سيقتنع بما سأقوله له ويصدقه، فبكل تأكيد سأخسر فانا إنسان عادي وذلك شيخ والشيخ دائما على صواب هكذا يرى ولدي!!

وحمدت الله أن الشيخ (.....) عاد واعترف بخطئه – ويا كثر اعترافاته واعتذاراته - فأسرعت إلى ولدي وكلي سعادة وفرح، وأقول لولدي.... لكن للأسف لم يجعلني أكمل..!! وبادرني قائلا شيخنا الجليل (.....) اعتذر أليس كذلك؟ قلت: نعم والحمد لله، فقال: أين الصواب.. لماذا تغير رأيه بهذه السرعة يا والدي؟

يعني رجعنا الشيخ (.....) إلى نقطة الصفر، فما أقول غير حسبي الله ونعم الوكيل!! والآن أريد المساعدة، كيف استرد ولدي مرة اخرى؟ أثابكم الله، بكل تأكيد هناك الكثير سوف يستفيد فأنا لست الوحيد" انتهى.

في الحقيقة شعرت بتعاطف كبير مع كلمات هذا الوالد ورسالته تلك، وأردت أن أقدم له المساعدة من خلال طرح موضوع رسالته للنقاش الاجتماعي والنخبوي معاً، لعلنا في نهاية الأمر ننجح في التوصل إلى صيغة فكرية نتواصل من خلالها مع الآخر، ونُشعره بأن البناء الاجتماعي يتطلب أن نكون إلى جانب بعضنا البعض، لا إلى التسابق على الاستحواذ على الأطراف الأخرى بأي ثمن، وأننا شركاء ليس في "الماء والهواء والكلأ" فقط، بل شركاء فيما هو أبعد من ذلك أيضاً. وأظن أننا أمام حالة اجتماعية مكررة، يعاني منها الكثير من أسر ومجتمعات الوطن العربي بشكل خاص، إذ إن مجتمعاتنا ذات الصبغة الدينية، سرعان ما تتأثر بكل ما يصدر عن رجل الدين من فتاوى أو تصريحات، وإذا ما سلمنا بذلك فعلينا أن نعلم أن نسبة كبيرة من (رجال الدين) هم في الواقع مجرد مقتحمين، لم يصلوا بعد إلى مراتب لقب (شيخ أو عالم دين)، وأغلبهم (محدثون) لا أكثر، أي ناقلون للمعلومة التي تلقوها قراءة أم سماعاً أم تلقيناً فقط، وهذا أخطر ما في الأمر، فالمعلومة في النهاية تحمل الكثير من الاحتمالات والرأي ووجهات النظر، وهي ليست بقيمة يتفق على قطعيتها الجميع، وكذلك الحال بالنسبة لناقلها، فالشيخ لقب يطلق عادة على كبار السن أو رؤساء القبائل، ومن يُطلق عليهم أيضاً (رجال الدين)، وهو لقب يسارع المجتمع بإطلاقه حتى على كل من ارتدى زياً معيناً بطريقة معينة وأطلق شعر لحيته، غير مهتم بالخلفية العلمية لذلك الشخص، ويذهب المجتمع أحياناً إلى أبعد من ذلك، فيصادق على أخذ العلم وتلقيه من أرباع هؤلاء المقتحمين، ولنا في القنوات الفضائية الدينية أكبر الأمثلة، فقد تحولت بعضها إلى منابر تحريضية فجة، تبث الحقد والكراهية في كل الاتجاهات، وتعيد تقسيم المجتمعات العربية والإسلامية، حسب أمزجة وتوجهات من يدفع أكثر، وهو ما يدفع المجتمع في نهايته ثمناً باهظاً، يحمله عبء حوادث غير شرعية يتم تبريرها تحت حجة المصادقة الدينية، وهنا لا بد من القول بأن التوعية الاجتماعية بخطورة الاندفاع خلف كل من هب ودب هي مسؤولية الجميع، وأن أبناءنا هم أمانة في أعناقكم أيها المتنورون، سواء كنتم رجال دين أو غير ذلك.