شغلني هذا الموضوع لفترة طويلة خلال قراءاتي في كُتب السياسة والتاريخ، وإذا كانت نظرية المؤامرة في التحليلات السياسية لم يَعُد لها ذلك البريق الذي كان حتى الماضي القريب، فإنني أتوقف قليلاً عند قضية الثأر التاريخي بين الأقوام والشعوب ولا سيما القديمة منها الممتدة للآن، فهذه الشعوب أو الأمم التي أنهكها التاريخ تمارس أو يمارس بعضها على الأقل الثأر التاريخي للآن، وهذا اجتهاد لم أقرأه لغيري من قبل! وقد يكون صائباً أو غير صائب، لأني أديب متفلسف! ولست مؤرخاً أو باحثاً في هذا المجال.

يطنطن اليهود على محرقة الهولوكست التي تعرضوا لها في ألمانيا النازية، أثناء الحرب العالمية الأخيرة، ولا يزالون، وقد كسبوا من هذه الطنطنة والدعاية مبالغ مالية كبيرة، وتعاطفاً دولياً ولا سيّما من أميركا وأوروبا، وهما مطيتان ذلولان لليهود منذ المحرقة وحتى اليوم وربما للغد الذي لا يعلم نهايته إلا الله عز وجل! فقد ابتز اليهود الذين اشتهروا بالجشع والمكر وتزييف التاريخ والنصب والاحتيال كل الشعوب التي ابتليت بوبائهم منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، وآخرها الشعب الألماني الذي استغل اليهود قضية المحرقة لجلب الملايين من خزائنه التي لحسن حظهم كانت ولم تزل مليئة بالمال، باعتبار أن ألمانيا من أكثر الدول غِنى.

أما ابتزازهم لأوروبا ولأميركا في غير قضية المحرقة، فحدث ولا حرج ! وأخيراً سرقتهم للأراضي الفلسطينية وادعاءاتهم المزعومة الملفقة بأنها لهم بتاريخ مزيف يزعمونه، مع أن أكثر من (90%) من يهود إسرائيل ليسوا شعب التوراة وهم من الخزر أو من أجناس أوروبية وأفريقية وشرقية دانوا باليهودية.

لقد ورد في كُتب التاريخ وبين يدي كتاب المستشرق الفرنسي الثقة "ل. أ. سيديو" المعنون بـ" تاريخ العرب العام" (مترجم)، وهذا الكتاب كان ينصحنا به أساتذة التاريخ في الكلية التي درست فيها قبل نصف قرن!

يقول المؤرخ سيديو: "... إن ملك الحميريين (باليمن) ذا نواس، تهوّد في أواخر القرن الخامس (الميلادي) فأمر في سنة "424م" بقتل أهل (نجران) النصرانيين لامتناعهم عن الاقتداء به، فعلم (جوستان الأول) خبر هذا الظلم فطلب من نجاشي الحبشة النصراني أن ينتقم من ذي نواس، فاستولى النجاشي على اليمن بجيش مؤلف من سبعين ألف مقاتل، فلم يجد قائد الجيش (أرياط) عسراً في إخضاع شعب أنهكته الفتنة، فغلب ذا نواس، فقتل ذو نواس نفسه غرقاً في البحر...".

هكذا بدأ الهولوكوست الأول قبل حوالي 2600 سنة!

فهل أعاد التاريخ نفسه فيقتل النصارى حرقاً في أفران الغاز آلاف أو ملايين اليهود كما يزعمون في عام 1942؟

وإذا كان ضحايا المحرقة الأولى غير معلومي العدد، وإنما ورد خبرهم في الكُتب وفي القرآن الكريم في سورة (الأخدود) فإن اليهود ادعوا أن (هتلر) أعدم في أفران الغاز في المعسكرات الألمانية ستة ملايين يهودي، وهذا رقم مبالغ فيه جداً، بل كذبته مصادر محايدة كثيرة، ولا يُعقل! بل لا تستوعبه آلاف أفران الغاز لو وجدت!

وكان عدد اليهود في العالم في ذلك الوقت لا يتجاوز عشرة ملايين يهودي! وهم الآن خمسة عشر مليوناً فقط.

ولكن اليهود الأفاقين لفقوا أكذوبة كبيرة كما يبدو لي والله أعلم، أن المصادقة التاريخية ليست وحدها التي حدثت، فالفاعل في المحرقة الأولى هم اليهود ضد النصارى ـ والبادئ ـ أظلم!

وفي المحرقة الثانية يقوم النصارى ضد اليهود بنفس العمل، ولكن بالغاز بدل (الحطب)! وكلها نار موقدة!

فهل هو ثأر تاريخي؟ أم مصادفة؟

إنني أدعو قراء التاريخ وكُتابه وفلاسفته، أن يتدبروا في هذا الحدث التاريخي، إن صح أن نسميه ثأراً، فالتاريخ لا يعيد نفسه دائماً، وإنما أحياناً.. والله أعلم.