بعد ظهر الثلاثاء الماضي شعرت ـ حيث كنت وزوجي ـ لأول مرة في حياتي بالزلزال.. اهتزت قشرة الأرض سريعا من تحتي، ثم عادت وارتدت ببطء لمكانها الطبيعي، بعد جملة متتابعة من التموجات المحسوسة.. بعد أن عاد لنفسي هدوؤها قلت: "سبحان ربي" الذي أجهد الأرض بمؤثرات يعلمها ولا أعلمها، حركت صفائحها الداخلية ذات اليمين وذات الشمال، وكررت قول "سبحان ربي" الذي جعل بقدرته طبقات الأرض تنزلق بعضا على بعض.. لم أكن ـ ومثلي كثير ـ قد تدربت على أنه في حال "الزلزلة" عليّ إن كنت داخل بيتي أن أقف تحت مدخل الباب، أو أن أدخل تحت طاولة متينة، وأن أبتعد عن النوافذ والزجاج. وإن كنت خارج بيتي عليّ أن أقف بعيدا جدا عن المباني، والأشجار، كذا خطوط الهاتف وأعمدة الكهرباء. وإن كنت في سيارتي عليّ أن أبقى في داخلها، وأن ابتعد عن الأنفاق والجسور، وأن عليّ في جميع الأحوال أن أملك نفسي، وأن أجتهد في أن أتمالك نفسيتي، وحمدت ربي ـ الغفور الرحيم ـ أن وسعتني ألطافه العظيمة، وشملتني رحماته العميمة.

تداعيات الزلزال كثيرة أهمها أن الزلزال ليس ـ بالضرورة ـ عقوبة ربانية على بني البشر؛ فالله ـ سبحانه وتعالى ـ غني عن تعذيب خلقه، ولا تنفعه طاعات الناس ولو كثرت، ولا تضره معاصيهم ولو كبرت.. يقول الإمام الطبري في تفسيره المشهور: "..رَبُّنَا جَلَّ ذِكْرُهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ عَاصٍ، وَلاَ يَتَحَيَّفُ خَزَائِنَهُ ظُلْمُ ظَالِمٍ، وَلاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مُطِيعٍ، وَلاَ يَزِيدُ فِي مُلْكِهِ عَدْلُ عَادِلٍ.." إنما هو ـ أي الزلزال ـ آية من آيات الخالق لكل فرد من خلقه، لعله أن يكون سببا في تخويفه وإيقاظ ضميره المتبلد والمنشغل، ولعله أن يساهم في تعاطف الناس مع بعضها، ورأفتها على بعضها بغض النظر عن الجنس والجنسية، وأي فوارق أخرى، ولعله أن يتسبب في التجاء المخلوق إلى خالقه؛ الواحد الأوحد ـ سبحانه وتعالى ـ بالتوبة والاستغفار، وإقامة مكارم الأخلاق ونشرها بين الأفراد والجماعات، ولعله كذلك أن يعرف الإنسان بحجم قدرته الحقيقية وعجزها التام أمام القدرة الربانية.

اليوم وبعيدا عن الآيات الصريحة والأحاديث الشريفة المتعلقة بأمور الزلازل، والتي يمكن للمهتم الرجوع إليها بيسر وسهولة أجد أن الحاجة تبدو ملحة أكثر مما مضى للاهتمام بأمر الكوارث الطبيعية، والزلازل في المقدمة.. المتخصصون توقعوا ويتوقعون الزلازل، وتوقعاتهم غير خاضعة للصدفة، إنما هي نتيجة دراسات إحصائية علمية موجودة منذ سنوات طويلة تشمل مدى تكرار كل زلزال، ونوعية الزلازل التي من خلالها يمكن التوصل إلى ما سيحدث بقدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ مستقبلا؛ لأن من المعروف في علم الزلازل أنه إذا اصطدمت صفيحتان من صفائح الأرض ستحدث الثالثة.. الاهتمام بالكوارث يدخل ضمن علم معاصر يسمى علم إدارة الأزمات "Crisis Managemen" وهو علم يهتم بتدريب وإعداد الكوادر البشرية للتعامل الناجح والسريع مع الأزمات والكوارث ـ كالفقر والأمراض والأوبئة والمجاعات والإرهاب والقتل والحروب والحرائق وانهيار المباني والحوادث والبراكين والزلازل والأعاصير والسيول ـ ويهتم أيضا بتوفير الأجهزة والمعدات الحديثة للتعامل معها، وعقد الندوات والمؤتمرات والحلقات العلمية المتخصصة، وكلها أمور مطلوبة، ومطلوب الاهتمام بها، ولا شك أنها لا تنافي التوكل على الله ـ سبحانه وتعالى ـ ولا تعارض الأخذ بالأسباب.