الذي لا أفهمه: أن يكون وزير الإعلام طويل اللسان إلى درجة التحرش اللفظي!
إذ كيف بوزير إعلام دولة بحجم مصر أن يتفوه على النساء الصحفيات بكلام بذيء، يحوي مضامين وإيحاءات جنسية، لا يمكن لمن يسمعه إلا أن يفسره في خانة التحرش اللفظي؟! ففي حواره مع المذيعة زينة يازجي على قناة العربية، لم يكن وزير الإعلام المصري صلاح عبدالمقصود فظاً غليظ القلب ولا سليط اللسان فحسب؛ بل كان (شوارعياً) بكل ما تعنيه الكلمة بمعناها الشعبي!
ولم يتوقف وزير الإعلام المصري صلاح عبدالمقصود عند كلماته (التحرشيّة)، تلك التي قالها لمذيعة قناة العربية، بل أساء بطريقة أفظع إلى الصحفية المصرية ندى عبدالرحمن حين سألته: أين هي الديموقراطية؟ فقال ما قال من كلام مسيء يقع هو الآخر في حيّز التحرش اللفظي، ولا يمكن فهمه ببراءة مهما حاول صاحبه أن يلعب دور الضحية والمظلوم!
والأدهى من ذلك وأمرُّ: هو تبريره لموقفه ذاك، حين أراد أن يلعب أيضاً دور (الإسلامي صاحب الكاريزما) محاولاً العزف - وإن بلحنٍ نشاز - على الوتر الديني، فجاء بالطامة حين قارن موقفه المسيء ذاك بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، عندما تعرض للإساءة من بني قومه!
الذي أنا متأكد منه، أنه لم يكن ممكناً لعبدالمقصود أن يرفض حقيبة الإعلام، المنصب الحساس في أي دولة وأي حكومة، ولا سيما أن الحكومة المصرية التي تتزعمها جماعته (الإخوان المسلمون) يُنظر إليها بأنها متعطشة للسلطة. إلا أن اللوم لا يقع عليه البتة بقدر ما يقع على من رشحه لهذا المنصب الهام، الذي يوازي في أهميته منصب رئيس الوزراء أو زير الخارجية، ولكن هذا ما جنته الحكومة على نفسها التي يُزعم أنها حكومة (تكنوقراط)، وأنها محايدة وغير مستأثرة بالسلطة.
لقد أساء وزير الإعلام إلى نفسه أولاً ثم أساء - مع الأسف الشديد - إلى وطنه وللمصريين الذين يفترض أن يمثلهم، وأساء أخيراً إلى جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، ليتضح أن الجماعة تضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب. والذي يتضح من تصريحات السيد الوزير صلاح عبدالمقصود أنه غير قادر على ضبط شعوره الذكوري السادي تجاه من يحاورنه من النساء المصريات وغير المصريات، ومن الواضح أن ينظر للمرأة عموماً بازدراء.
ولربما أيضاً أن لديه مشكلات مكبوتة تظهر لا شعورياً حين يحسّ بأن المرأة التي أمامه نداً له وغير خانعة وخاضعة، وهي الصورة النمطية التي ربما لا يرى غيرها في المرأة بشكل عام، ولذلك أنا شخصياً لا أنتظر منه أن يقدم استقالته؛ لأنه أصلاً يفكر بطريقة مختلفة جداً لا تقبل القسمة لا على اثنين ولا على مليون ولا على صفر أيضاً!
وزير الإعلام أشغل الإعلام. ربما كان هذا جزءاً من سيناريو ما، وربما جاء بمحض الصدفة، إلا أن الشأن العام المصري أكبر من أن يتم اختصاره بـ(إساءة) لفظية لوزير أو حتى لغفير! وأظن أن الحكومة المصرية بحاجة للتوازن أكثر، لأجل صالح مصر أولاً، التي هي للمصريين بطبيعة الحال، ولكنها أيضاً أم رؤوم حنون تُشعر أي مواطن عربي بالانتماء لها بدرجة ما، بالقدر ذاته الذي يشعر فيه غير العرب بالانتماء لها - من قريب أو من بعيد - عبر حضارتها الإنسانية الممتدة لسبعة آلاف عام، التي كانت مشعلاً خالداً لكل شعوب الأرض.
البذاءة لن تطفئ هذا المشعل بكل تأكيد، لكن كان يفترض بالحكومة المصرية أن تقدم للشعب المصري، والعربي، والعالم أجمع، وزيراً مطلعاً على قوانين "أخلاقيات الإعلام"، ومتمرساً بسبل التعامل المحترف مع الإعلام، هذا أولاً، وتالياً أن يحظى بحد أدنى من القابلية إن لم يكن بالمقدور الارتقاء إلى درجة الكاريزما.
صحيح أن المطالبات بإقالة هذا الوزير (الفلتة) هي مصرية بحتة، لكن لكل مشتغل بالإعلام داخل مصر وخارجها أن يتفاعل مع المحتوى الإعلامي، وأن يقدم رأيه بحق سوءات الإعلام وسقطاته.