لم يمر على التاريخ العربي الحديث بعد النصف الثاني من القرن الماضي إثر الانقلابات العسكرية العابرة، أسوأ من حزب عبثي فاشي دموي أطلق عليه اسم (حزب البعث العربي الاشتراكي) رفع شعاراً زائفاً هو: حرية، اشتراكية، وحدة !

كَتب فلسفة هـذا الحزب زمرة من المثقفين ودُعاة القومية العربية، وعلى رأسـهم ميشيل عفلق الذي دشّن الفكرة والنهج بكتابه: "في سبيل البعث" ونشره في الخمسينات الميلادية، وساعده صلاح البيطار وأكرم الحوراني، كـ"حزبست" محترفين مؤدلجين للتنفيذ، وتوسلت هذه النخبة، أو بالدقة (الزمرة) بكوادر الحزب الناشئ الحديث التكوين، ثم بالجيش لتحقيق مآربها، وهو القفز على السلطة، ثم تخريب الدولة والمجتمع، في بلدين مهمين كسوريا والعراق.

وفي النهاية احتل العراق من أميركا، وخُربت ثم بدأت في سوريا حرب أهلية مدمرة، والغريب، أن حجة الاستعمار لم تكن موجودة، وقد كانت سوريا دولة مستقلة، يحكمها برلمان منتخب، ومؤسسات دستورية، ونخبة وطنية من أبطال الاستقلال، وزعماء مؤهلون صقلتهم التجارب والسن والثقافة، وِصفوا بالنزاهة والحس الوطني والاستقامة، أمثال: فارس الخوري، وهاشم الأتاسي، وناظم القدسي، وسعد الله الجابري، وإبراهيم هنانو، ومعروف الدواليبي ...إلخ.

وفي العراق كانت توجد ملكية دستورية، وبرلمان منتخب، ومؤسسات دستورية، وقانون مدني مكتوب، كما في مصر الملكية، وكان الملك محبوباً من غالبية الشعب، ويقود سيارته بنفسه في الشارع! ويدخل بيوت الناس ويمازحهم في المقاهي، والملوك العرب عادةً محبوبون من الشعوب، لأنهم يحبون شعوبهم كما يحب الإنسان عائلته، ومعظمهم يخشى الله ويستحي من الناس، أما الطغم العسكرية التي أتى بها البعث وغيره في مرحلة ما بعد الاستقلال لجمهوريات ديكتاتورية، فقد أذلت العباد ونهبت البلاد، ولم تخف من الله! أوتستح من الناس، فيا لها من مفارقة محزنة يبكي لها التاريخ!

انظروا يا أولي الألباب والأبصار.. ماذا حصل في بلدين بعثيين عربيين، وثالثة الأثافي: مصر الناصرية التي صفق العرب لزعيمها من المحيط إلى الخليج!

فالعراق بعد سقوط الملكية بدأ مسلسل الدم الرهيب فيه منذ استلام الطغمة العسكرية القاسية للحكم على يد الثنائي عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف، وكأنه لا يكفي الدم المحرم الذي سُفك في قصري الزهور والرحاب عندما ذُبحت العائلة المالكة (الشريفة) ذبحاً لا يقوى على قسوته اليهود أو حتى الشيطان! الملك المحبوب الشاب، ذُبح والوصي خاله والنساء والأطفال البريئون وكبار رجال الدولة في بلد يقدس آل البيت ويحج للعتبات ـ المسماة خطـأ ـ المقدسة في كربلاء والنجف، فما أشبه الليلة بالبارحة ـ عندما استدعى العراقيون سبط النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وحفيده (الحسين) وآله، وذُبحوا بلا رحمة أو شفقة أو خوف من الله، أو احترام لسبط الرسول سيد شباب أهل الجنة! ولم يزل إخواننا الشيعة يعتبرون هذه المجزرة والمأساة المروعة مناحة سنوية، يلطمون فيها وجوههم ويجرحون أجسادهم ندماً على فعل أسلافهم! ولم يهدأ العراق للآن من القتل والتفجيرات منذ قيام ثورة أو انقلاب 1958، واختتم المسلسل الدموي الأحمر بالاحتلال الأميركي الغاشم الذي أذل شعباً بأكمله ومرغ أنفه في التراب، ناهيك عن الضحايا والخراب والدم المسفوح، فهل من معتبر؟

أما ما حدث ويحدث في سوريا منذ استيلاء حزب (البعث) على السلطة في الستينات الميلادية من القرن الماضي، فحدث ولا حرج ! سجون، ومعتقلات، ومشردون، وقتلى من كل الفئات، واستيلاء حُثالة نصر أجدادهم (الحشاشون) الغُزاة الصليبيين الذين احتلوا القدس وبلاد الشام وعاثوا فيها قتلاً وخراباً سجلته الكتب والوثائق، فكانوا منذ ظهورهم، ليس كأقلية وإنما كفرقة ضالة، شوكة في خاصرة العرب والمسلمين، فيا لسُخرية التاريخ أن يصل هؤلاء الأوغاد إلى سُدة الحكم في سوريا! وأن يقضوا على رجالات سوريا ويستحيوا نساءها ويدمروا ربوعها منذ أكثر من نصف قرن، كما باعوا الجولان لإسرائيل. ولكن الليل الطويل لا بد له من صبح طال انتظاره ولاحت الآن تباشيره.

وتوجد مراجع تُثبت بيع الجولان لإسرائيل عام 1967 بمبلغ 300 مليون دولار منها:

1-كتاب سقوط الجولان: المؤلف: خليل مصطفى بريز (ضابط استخبارات بالجبهة السورية في حرب الأيام الستة (حزيران ـ يونيو) 1967.

2-كتاب كسرة خبز: المؤلف: سامي الجندي (وزير إعلام سوري - في ذلك الوقت).

3-مذكرات العقيد: أحمد المير ـ قائد الجبهة السورية في ذلك الوقت.

4-مذكرات الدكتور: دريد المفتي (الوزير السوري المفوض بمدريد).

5-تصريحات اللواء: أحمد سويداني، قائد الجيش السوري في ذلك الوقت.

6-مذكرات وزير الصحة السوري في ذلك الوقت: د. عبدالرحمن الأكتع.

7-مذكرات البعثي السوري المعروف: صائب البارودي.

8-بيان سقوط القنيطرة عاصمة الجولان (قبل أن تسقط) رقم 66 وتاريخ 10 /6 /1967.

وهناك وثائق أخرى وكتب عن خيانة: حافظ الأسد لتسليم الجولان لإسرائيل وهو في ذلك الوقت وزير الدفاع السوري، وأمره للجيش بالانسحاب قبل وصول اليهود للهضبة، وقطع الكهرباء عن حقول الألغام! وقد كوفئ فيما بعد بتولي رئاسة الجمهورية وتنفيذ بقية المؤامرة حتى وفاته عام 2000 وتعيينه ابنه (بشار) مكانه فمن "خلف ما مات"، كما يقول المثل.