لم ترتق "هيئة مكافحة الفساد" من حيث القدرة والإمكانات والنتائج لمستوى الأماني التي رسمها الكثيرون في مخيلتهم، خصوصاً أن كلمات تضمنها قرار إنشائها على نحو "كائناً من كان" ما زال يتردد صداها في الذاكرة، فهيئة مكافحة الفساد لم تنجح حتى الآن في تقديم خطوات عملية فعلية في قمع الفساد أو تقديم حالات لـ "كائن" تحت أي صنف، فرداً كان أم جهة أم رأساً كبيرا، أو حتى صغيرا، مع إدراكنا أن يد الفساد تعبث هنا وهناك في مقدرات الوطن.

الأسوأ من ذلك أن "نزاهة" لم تعد تمتلك "هيبة" الجهة الرقابية أو "العدلية" أو "الضبطية" في ظل كثرة البيانات الصحفية التي تصدرها عن حالات عامة غامضة فيها شبهة فساد وليس فيها رأس "فاسد"، حتى إن بعض الجهات لم تعد تلتفت لما تقدمه هذه الهيئة من بيانات أو معلومات، ومن ذلك ما قرأته في صحيفة الحياة على صفحتها الأولى منسوباً لوزير الشؤون البلدية والقروية ويقول فيه: "أهملنا بعض ملاحظات نزاهة، لأنها غير موضوعية".

تصريح الوزير يؤكد أن من حق الوزارات والأمانات الأخذ بملاحظات الهيئة أو رفضها، وكأنها جهة "نصح وإرشاد" وليست مؤسسة تعنى بمكافحة الفساد المالي والإداري في مختلف قطاعات ومؤسسات الدولة.

بعد هذا التصريح نحتاج إلى أن نفهم ما هي صلاحيات هيئة الفساد؟ وما هي حدودها؟ فحسب ما أعلن في قرار إنشائها فهي:"مسؤولة بشكل مباشر عن مراقبة وتقويم أداء الأجهزة الحكومية، ومدى الانضباط والالتزام بممارسة الاختصاصات وتطبيق الأنظمة وتفعيل القرارات، وإنجاز المهام. ومسؤولة عن مساءلة كل مسؤول، مهما كان موقعه، ومحاسبة المخطئين والفاسدين "كائناً من كان".. أما ميدانياً فهي مجرد هيئة ما زالت تبحث في كيفية تقبل الوزارات لملاحظاتها والرد على استفساراتها، بل بلغ بها الحال أن تستجدي الوزارات بأن تساعدها في القيام بواجبها ودورها المناط بها. وفي ظل هذا الوضع فمن الطبيعي أن تفشل الهيئة خلال عامين في تقديم مسؤول واحد للمحاكمة بتهمة الفساد.

الفساد كائن "ديناصوري" مستشر في كافة الأوردة والشرايين، ولو لم يستشعر خادم الحرمين الشريفين ذلك لما استدعى الأمر إنشاء هيئة مكافحة الفساد، على الرغم من وجود هيئات رقابة وضبط حكومية أخرى، ولولا إدراكه وجود "رؤوس كبيرة" لما منحها هذه الصلاحيات، ووقف داعماً ومؤازراً لها.

رئيس الهيئة يشتكي في لقائه في برنامج "المملكة والعالم"، الذي يبثه التلفزيون السعودي بقوله: "نكتب لبعض الجهات الحكومية بالتحقيق في بعض القضايا التي تدخل العقوبة والتحقيق من صلاحية الوزير في تلك الجهات، إلا أن الجهات تتردد في التجاوب بالتحقيق مع موظفيها"، مما يعني كما يرى البعض "فشل" الهيئة، وأنها تعاني من الضعف والهوان أمام جبروت وقوة الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، رغم التشريعات التي تمنحها الحق في محاربة الفساد أياً كان.

آمال الكثيرين من أبناء الوطن كانت ترنو إلى تحجيم حالات الفساد، وكبح جماح المخالفات القانونية داخل أروقة المؤسسات الحكومية والخاصة، التي تتسبب في حرمان المواطن من حقوقه التي كفلتها له الأنظمة والقوانين الشرعية.. فالفساد يشكل أحد أكبر المعوقات أمام تحقيق معدلات التنمية المطلوبة والمتوقعة، والتي ستذهب برعاية المفسدين إلى غير رجعة.

بعد عامين من إنشاء الهيئة يبدو أنها كما وصيفاتها من الهيئات الأخرى العاملة في مختلف المجالات مجرد حبر على ورق.. بلا حول ولا قوة، ولا أثر يذكر.