لا شك أن مراقبين كثيرين سألوا عن سر الاهتمام الواسع بما تتداوله الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية داخل اليمن وخارجه من أنباء تغيير حكومي وشيك يزيل غصة المجتمع من استحالة الازدهار في بلد عامر بخيبات الأمل.

ويقع في وعي المحليين شيء من الالتباس من أن يكون عامل الوهن وحده سبباً في انقطاع حكومة الوفاق عن عقد جلساتها الأسبوعية دون مبرر مقبول أو عذر معقول، ومن غير اكتراث بأهمية المكاشفة وإطلاع الشعب على مكامن الاعتلال، وما إذا كان رئيس الحكومة قد تماثل للشفاء أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

وعلى غير عادته في إذاعة أطول النشرات الإخبارية قياسياً بكل ميكرفونات العالم أورد التلفزيون الرسمي خبراً مقتضباً عن مغادرة باسندوة لإجراء بعض الفحوصات الطبية، والرواية الأدق أن الحكومة برمتها هي التي غادرت نطاق الجاهزية، فالسائد في تقاليد الحكومات بما فيها حكومة أرض الصومال أن يغادر رؤساؤها بعد تكليف أقدم الوزراء للقيام بمهام العمل، وهو أمر وثيق الصلة بمؤسسية الدولة بصرف النظر عن مزاج الأفراد أو تقديرات الشخوص.

لكن السؤال المثير للاستغراب هل تستحق حكومة ما يعرف بالوفاق الوطني اهتمام أحد بينما يخـلو سجلها من علامات مضيـئة تسري عن النفوس ما لحـقها من وجل إثر عمليات التخريب التي طالت معظم المرافق الاقتصادية وأعطبت البنى التنموية دون وازع من ضمير أو رادع من قانون؟

ويتراءى لنا أن التذرع بالمبادرة الخليجية وبنودها الخاصة بتشكيل حكومة وفاق بين طرفي الصراع الذي ما برح قائماً لا يعكس غير عجز القادرين على التمام، ذلك أن متطلبات المرحلة الراهنة الموسومة بالحوار الوطني لم تعد نفس المرحلة التي أعقبت المواجهات المسلحة عام 2011. فالثورة الشبابية انتهت إلى تسوية سياسية، ومن غثاء السيل إلى رفع شعاراتها مرة أخرى عدا في حالتي التكسب أو الابتزاز، ومن غير المجدي استمرار الحكومة بوضعها الرخو أو الإبقاء عليها لمجرد ارتباط قرار تشكيلها بنص تضمنته المبادرة، والأولى تفسيره في سياق المهام الكلية للفترة الانتقالية ذات الخطوات المرحلية المتدرجة.. أن الظروف الذاتية والموضوعية تلح على الرئيس المنتخب عبده ربه منصور هادي للمبادرة في التقاط زمام المبادرة دون اعتبار للضغوط الحزبية التي تبالغ في تحاذقها على حساب المصلحة الوطنية العليا.

ذلك أن أوضاع البلاد أحوج ما تكون إلى حكومة تنقراط، فإن لم يكن هذا ممكناً فلا أقل من الإسراع في تشكيل حكومة كفاءات ذات موجهات محددة ومهام حصرية لا تقبل التعميم ولا تواري الكساح ببرامج فضفاضة كما هو حاصل الآن.

لقد ظل الانقسام والمناكفات صفتين ملازمتين لأداءات حكومة الوفاق، بينما تكمن حاجة الرئيس هادي وحاجة المجتمع أيضاً إلى حكومة من طراز آخر لا تتعدد ولاءاته أو يستقي توجهاته من مصادر خارج المشروعية الوطنية لمتخذ القرار.

وبواقع تجاربنا السياسية الخائبة في اليمن فإن قياس الأشياء بنظائرها يدعونا إلى ترجيح الاحتمالات الشائعة بأن عجز الحكومة عن تحقيق الوفاق بين طرفيها وتقاعسها عن تحديد أولوياتها لا يرجع إلى ضعف قدراتها فحسب، ولكنه توجه مخطط له بهدف إثارة الشارع الشعبي ضد مركز القرار وإفساد جسور الثقة التي ربطت هادي بمواطنيه، وجعلت منه رمزاً لتطلعات اليمنيين الذين لم يبلغوا بعد مرحلة التغيير بالأفضل.. والواضح أن أمراً كهذا بات مدركاً لدى الأشقاء والأصدقاء، ومن الأحرى بالرئيس هادي الاتكاء على قدرات وطنية متحررة من رواسب الصراع لتعينه على أعباء المرحلة لا لتضيف إلى كاهله مزيداً من الأعباء.

لقد بكى رئيس الحكومة بما فيه الكفاية، ومن العدالة ألا نراه يبكي مجدداً، وحسبه التطوع بجزء من عمره في صحبة من لم يدعوا له غير ندب الذكرى ووحشة الأيام دون (صديق مواسٍ أو عدو مداج)، وفي العادة أن أصحاب القلوب الرقيقة والمشاعر العاطفية الجياشة لا تعوزهم الحاجة إلى أجهزة أمنية أو وزراء دفاع، وهم غالباً أقرب وداً مع وزراء المالية لتسهيل عمل الجمعيات الخيرية.. على أننا في هذا البلد إنما نخشى استمرار (وضع السيف في موضع الندى) كما روى المتنبي ودلت عليه حكومة الوفاق الموعودة بأقسى حكم يصدره التاريخ في سفر الحكومات اليمنية!؟