رابية هادي اليامي


من الواضح الجلي أن العقلاء مجبولون على ألا يترك أحدهم دينا ومذهبا قد نشأ عليه وأنس به، وقد اعتاد التعبد على سنته، وأخذه عن آبائه ومعلميه، من غير أن يتبين له بطلانه، لذلك لا يرغب في الدخول في دين آخر لم تتضح له معالمه، ولم تصح له حقيقته، ولا قامت عنده حجته. لهذا لا تلم الناس على تمسكهم بدين آبائهم، ومذاهب أسلافهم، فدين الحق الذي ندين به يستغرق المذاهب كلها، ويضم العلوم جميعا. لذلك لا نحمل حقدا على أحد، ولا نعادي علما من العلوم، ولا نعزف عن مطالعة كتاب من الكتب، ولا نتعصب لمذهب من المذاهب، فدين الأنبياء دين واحد بالرغم من تباعد الأزمان فيما بينهم، واختلاف لغاتهم، وموضوعات شرائعهم، فهم باعتقادنا العميق متفقون على رأي واحد، ومقصد واحد، وهدف واحد، فيما ينهدون إليه في دعوتهم بين الأمم إلى أمر الآخرة، وأحوال القيامة، وجزاء الأعمال فيها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

ومهما تعددت الطرق، واختلفت المسالك، وتنوعت الدروب، فالأديان كلها، مهما تباينت عقائدها وتنوعت مذاهبها تؤدي إلى طريق واحد مستقيم يوصل الإنسان إلى الكمال المطلق والهدف الأمثل.

لذلك فنحن نجلها ونحترمها ونقدر غاية التقدير العاملين فيها، والذين ينظرون للغير نظرة محبة وإخاء تنعكس على سلوكهم وتصرفاتهم تجاه أنفسهم وتجاه الغير. فالأديان السماوية التي بشر بها الأنبياء والمصلحون، وجدت لإسعاد البشرية، وإنقاذها من الجهل، لا لشقاوة الإنسان، وترديه في التهلكة. كلمات لأحد العلماء الأفاضل ـ رحمة الله عليه ـ تسعدني قراءتها من الجميع؛ لنعرف معنى التسامح بين الأديان، ومحاولة تعريف العالم ما هو ديننا وما يهدف له؛ حتى نستطيع أن نرشد الجميع للحقيقة.