مشكورةً كرمت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة مساء الأحد الماضي، فضيلةَ الإمام الأكبر العلامة الشيخ د. أحمد محمد أحمد الطيب؛ لفوزه بجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب لـ"شخصية العام الثقافية" لهذا العام.. تشرفت بتهنئة شيخ الأزهر والإمام الأكبر د. أحمد الطيب بالفوز المستحق والمجمع عليه قبل الدخول إلى القاعة المخصصة للحفل، فشعرت أنني أشارك راعي الحفل سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان التكريم، وأشارك فضيلة الشيح الطيب الفوز به.

العلامة الأبرز، والفقيه المالكي المتمكن الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، ينتمي إلى أسرة الطيب العريقة بمحافظة الأقصر بصعيد مصر، التي ينتهي نسبها إلى سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. يلقبه من يعرف مقامه الرفيع، ومكانته العلمية والدينية، ومدرسته السلوكية، وتواضعه الجم وزهده وكرمه ووسطيته بـ «شيخنا الطيب ابن الطيب ابن الطيبين».. والمتابع لسيرة ومسيرة معالي الشيخ الطيب، يأسره جهده الكبير، وتماسكه المشهود في المحافظة على الأزهر الشريف كهيئة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية، تمثل المرجع النهائي لمصر ولغيرها من دول العالم في كل ما يتعلق بشؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة. الشيخ الطيب ـ نفع الله به ـ جمع الله له بين أصالة العلوم والمناهج الأزهرية العميقة والمعتدلة، والثقافة الغربية الحديثة، بانفتاحه على علومها ومناهجها، وإتقانه للغتين من لغاتها.. زاوج بين الأصيل الراسخ في الثقافة العربية الإسلامية، وبين الجديد الوافد الذي لا يستغني عنه طالب علم أو راغب فقه أو مجدد لصلة الناس بالدين، ويعد فضيلته بما لديه من كتب وتحقيقات في العقيدة والفلسفة والفكر الإسلامي عامة، وبترجماته لعدد من المؤلفات الأجنبية، امتدادا علميا وإنسانيا زاخرا لأعلام أفذاذ سبقوه بالانتساب إلى الأزهر الشريف، مثل شيخ الأزهر الأسبق فضيلة الإمام الشيخ الدكتور عبدالحليم محمود، وغيره.

من اتصل بعلم وفكر الدكتور الطيب، يعلم يقينا أنه أحد العلماء المجددين المستنيرين، وأنه صاحب فكر تنويري ومعتدل، لا يميل إلى التشدد ولا يغالي في الدين، يرفض إنكار الآخر، أي آخر، تحت أي دعوى دينية أو مذهبية أو عرقية، ويراه ليس من الإسلام في شيء.. منهجه الوسطي المعتدل ورؤاه المستنيرة جعلته وتجعله ـ وطلابه ـ دائما في مواجهة مع المتشددين والمتطرفين والمغالين والاستعراضيين وأدبياتهم العنيفة الداعية إلى التغيير بالتكفير وإراقة الدماء "والتسميم"، ويعتبرونه مناوئا وخصما لهم، وكانوا وما زالوا يسعون بجد لإزاحته وإقصائه بكل ما أوتوا من قوة، وهو متماسك ومستمسك، وكرر ويردد «أنا أزهري حتى النخاع ومن يتفق مع عقائد الأزهر فهو صديق وحبيب، ومن يسعى لمحاربتها وتقويضها فسنقف له بالمرصاد فكريا». اليوم وكمتابع مشغول بما يتعلق بالفقه والفكر أجد في الأزهر الشريف العمق الواضح للقيم النبيلة والمعاني الخالدة، كما أجد في الشيخ أحمد الطيب ـ وأمثاله ـ العلم الغزير، والصوت الحكيم، والقلب الكبير، والأمان البشري للبشر في بلاده وخارجها من التكفير والتفجير والتشدد والتنطع، وأنه خير من يمثل وبكل جدارة الشخصية الثقافية الفاعلة في هذه اللحظة الحرجة في تاريخ بلده وأمته الصغيرة والكبيرة.. اللهم وفق الشيخ الطيب وكل عالم طيب إلى جمع كلمة الأمة، وقمع دعاوى الفرقة ونوازع التشدد والإقصاء، وفتاوى التكفير والتضليل للمخالفين التي لا تؤدي إلا إلى الفرقة والاختلاف، ومزيد من الضعف والهوان.. آمين يا رب العالمين.