قبل سنوات قليلات كتبت مقالاً نُشر في أحد كتبي التي صدرت، وكان بعنوان: إيران والخليج: الصداع الدائم والصراع القائم.. أُلخص أسطراً منه مدخلاً لمقالي هذا: [عجيب أمر هذا البلد في كل زمان وأوان!

كان يعبد في الماضي النار.. فحسد العرب على ظهور النور (الإسلام) في أرضهم، وكان الشعوبيون الذين ظهروا قبيل عصر "الجاحظ" وبعده، يعيّرون العرب بالبعرة والبعير!

وعندما رأوا في الدولة الأموية وهي (إسلامية) رائحة العروبة.. حاربوها حتى سقطت، وكان أبو مسلم الخراساني أحد أكبر المتآمرين الذين ساعدوا على سقوطها.. وكان (البرامكة) في عهد هارون الرشيد أول من قام من الحاشية بالتدخل في الحكم وإفساد الناس حتى نكبهم، ثم ظهور التُرك والمماليك وسواهم من أخلاط الأمم الذين فتنوا الشخصية العربية بل وقضوا على نفوذها السياسي في حقب تسلطهم قروناً شداداً].

هذه مقدمة قصيرة بين يدي موضوع ساخن، كلما برد أوقدت (إيران) الشقيقة! النار تحته فزادته سخونة، انظروا ما يحدث بين الفينة والأخرى في (البحرين).. هذه الجزيرة المزدهرة الوادعة منذ عقود طويلة، المنسجمة اجتماعياً والمزدهرة اقتصادياً وثقافياً وسياحياً، والمتمتعة بحكم ديموقراطي ومؤسسات برلمانية وحريات عامة وملك متنور.

وانظروا إلى ما يحدث في سورية الشقيقة أيضاً، التي أصبحت في رأس العرب كمرض الشقيقة وهو نوع من الصُداع لا شفاء له، وجارتها لبنان التي تعيش عدم التوازن السياسي والأمني والكساد الاقتصادي والسياحي، منذ أوجدت إيران فيه حزباً عام 1982 سُميَ زوراً (حزب الله) تبنى في البداية مقاومة العدو، فلما خرج ذلك العدو بعد سنين طويلة، ارتد على مواطنيه ووطنه، وتسبب لعدة مرات في جر العدو لبلد لا يملك مقومات الردع بالقوة العسكرية، مما أدى إلى قتل المئات من أبنائه وتخريب معظم بنيته التحتية في صيف عام 2006، وتعطيل موسمه السياحي عدة مرات، وهو مصدر رزق معظم اللبنانين.

إيران لا تريد الاستقرار والازدهار للبحرين، لأنها أنموذج ناجح ومجاور لها! ولا تريد أن يتغير النظام المستبد الطائفي في سورية باعتبار ذلك النظام حليفها وشبيهها، ولا تريد للبنان الخير والازدهار والهدوء والانسجام والتنوع.

لو كانت حكومة إيران الشقيقة ـ دولة إسلامية ـ كما تُعلن مع اسمها وشعاراتها لنبذت الشقاق والفتن التي ينبذها الإسلام، ولتحولت من ضيق المذهب إلى فسحة الدين، ولأظهرت لأشقائها وجيرانها حق الشقيق والجار في الإسلام بل وللسنّة داخلها وبعضهم عرب.

لقد خاب ظننا عدة مرات ـ ويا للأسف ـ في إيران، وكنا نظنها بعد الثورة ستكون عضداً لإخوانها العرب والمسلمين.. وعوناً للفلسطينين، كنا نظنها ـ وبعض الظن إثم ـ ستعيد الجُزر الإماراتية التي استولى عليها (الشاه) في فرصة فراغ سياسي بين الانتداب والاستقلال، كبادرة أخوة وحُسن جوار، أو القبول بالتحكيم الدولي وذلك أضعف الإيمان!

يبدو لي والله أعلم أن مصير إيران سيكون مؤلماً جداً، كما كان مصير العراق ـ ومعظم النار من مستصغر الشر ـ! لقد لعب (صدام) قبلها بالنار فأحرقته وأحرقت بلاده التي عادت للوراء نصف قرن على الأقل، وذهب الملايين من العراقيين للمنافي.. والآلاف للقبور، والبقية تقتات اليأس والفقر والفتن والطائفية إلى أمد لا يعلمه إلا الله، وتلعق جراح احتلالها المخزي الذي دام لسنوات من طرف أميركا.

فهل تريد حكومة إيران ـ الفاشلة ـ هذا المصير لشعبها المسلم الذي نحبه، ونريد أن نتعايش ونعيش معه حياة الأخوة الإسلامية والجوار والمصالح؟

إن في إيران أكثر من ستين مليوناً من البشر، ترتفع في الكثير منهم نسبة الفقر والأمية ويحتاجون لأموال المشروع النووي المهدرة، أم أن تلك الحكومة الفاشلة تكره شعبها فتضيق عليه الخناق وتساعد الأجنبي على حصاره، بل وتستعدي العدو على شعبها في جدل عقيم حول النووي وهي في غير حاجة إليه، وكل يوم تنهار عُملتها ويكسد بترولها ويتصدع اقتصادها. وييأس شعبها.

يعلم الله أننا لا نريد لإيران إلا الخير والرشاد، وأن تُرزق بقيادة حكيمة، وألا يكون مصيرها كمصير عراق المقبور صدام، والله غالب على أمره.