الحريّة والضمير من بين أكثر المفردات اللغويّة جماليّةً ووجدانيّة، غير أنّها من بين أكثر المصطلحات الفلسفيّة إشكاليّة، يفهمها بعضُ النّاس بشكلٍ لا يعبّر عن حقيقة المعنى للحرية، وربط الحريّة بالاختيار مشروطٌ بفعل الخير؛ لأنَّه بوسع الإنسان أن يختار بين فعل الشر أو فعل الخير.. السؤال: ما مساحة وحدود حريتنا؟ وضميرنا هذا هو ما قامت بتجربته ماريَّنا اإبراموفيك، إذ قامت سنة 1974 بخوض تجربة فريدة من نوعها لتتعرف أكثر على تصرفات البشر إذا منحت لهم حرية القرار دون شرط، فقامت بالتجربة التالية:

قررت أن تقف لمدة 6 ساعات متواصلة دون حراك وأتاحت للجماهير أن يفعلوا بها ما يريدون.. ووضعت بجانبها طاولة بها الكثير من الأدوات: منها سكين، ومسدس، وأزهار.. وهكذا في بداية الأمر كان رد فعل الجماهير سلميا فاكتفوا بالوقوف أمامها ومشاهدتها، ولكن هذا لم يستمر كثيرا، فبعدما تأكد الجماهير أنها لن تقوم بأي رد فعل مهما كان تصرفهم تجاهها؛ أصبحت الجماهير أكثر عدوانية.. فقاموا بتمزيق ملابسها.. وقام أحدهم بوضع المسدس على رأسها - ولكن أحد الأشخاص تدخل وأخذ المسدس منه - وقاموا بنكزها ببطنها بأشواك الأزهار.. وتحرش البعض بها.. وبعد أن انتهت الـ6 ساعات تحركت مارينا من مكانها دون اتخاذ أي رد فعل عدواني تجاه الجماهير.. وبمجرد أن بدأت بالتحرك هم الجماهير بالفرار.

هذه التجربة أثبتت لمارينا أن البشر الذين نتعامل معهم يوميا مهما اختلف عرقهم وسنهم وخلفياتهم قادرون على ارتكاب أفعال شنيعة، ولكن إن أتحيت لهم الفرصة فقط، هذا ما يجبرنا على أن نقر دوما بأن الحرية لا يمكن أن تمنح بصورة مطلقة دون رادع أو قانون ينظمها.

إن الامتناع عن ممارسة الظلم والأذى والقتل والإساءة للآخرين شرط ضروري للتمتع بالحرية وممارستها، فليس مُبررا للفرد القيام بأعمال ضارة وشريرة بدعوى أنه حر.

بهذا المعنى بوسعنا تعريف الحرية بالقول: إنها انعدام الانفلات الداخلي والخارجي بصوره المختلفة. الحرية الحقيقية هي الحرية المقيدة بقيود إنسانية وأخلاقية، وقيم إنسانية وأخلاقية سامية، متى أضرت بحياة الإنسان وبحقوقه الإنسانية، انقلبت إلى ضدها، فلم تعد حرية، بل شيئا آخر منتجا للعبث، للفوضى.