يبعث إلى نهايات المساء رسالة نصية وفيها يقول متحديا (أن نكتب أنه بعد أربعين عاما من التنمية ما زالت بعض القرى التهامية المعزولة تنتظر الإغاثة بطائرات الدفاع المدني في كل موسم للمطر).

قلت له إن الكتابة علمتني مع الزمن كيف تختار الفكرة المختلفة وكيف تهرب من الإملاءات وكيف تصطاد اللانمطي كي يقف القارئ من كل الفكرة على زاوية عليا حادة كالسهم ومستفزة كالسكين. والفكرة التي تستحقها قصة هذه القرى المقطوعة هي: لماذا يصر عشرات من الآباء أن يرهنوا أجيالهم من بعدهم في زوايا معتمة من هذه الأرض لا يمكن لها بأي حال أن تكون حاوية تنمية ولا يمكن لها أن تهب للأجيال القادمة وظيفة أو مستقبلا؟ ولا يعترض أحد علي اليوم بلغة العواطف مثل الجذور وحب المكان وذكريات الأزمان والصبا. كلنا من قبلهم بعقود طويلة ألقينا تحية الوداع على مساقط الرؤوس: ارتحلنا. اغتربنا. هاجرنا. تفرقنا. ودعنا. نقلنا. ومن بين خمسين بيتا وعائلة لإخواني وأبناء عمومتي لا يسكن قريتنا اليوم سوى ابن عم واحد وكل البقية ضربوا فجاج أرض الله وكلهم شقوا طرق حياة ناجحة ورسموا لأجيالهم معالم مستقبل. لو أنني استسلمت للدموع يوم ودعت قريتي منتصف الثمانينات لكنت فيها اليوم انتظر سيارة الإغاثة. لم أشاهد في حياتي من يحب مسقط رأسه مثل والدتي حفظها الله ومع هذا نزعنا منها هذا الارتباط كي تعيش ما تبقى في حياة موفورة وكريمة. لو أن خالد الفيصل، استسلم قبل أربعين سنة لعواطف أهل (الحبلة) لما كان من أبنائهم اليوم أطباء وأساتذة جامعات ودعاة وقضاة ولكانوا أيضا وبالتشبيه مثالا لنفس حروف رسالة صاحبي إلي في رأس المقال بعاليه: ينتظرون الحبال والدلو في الوادي السحيق من أجل الخبز والبنادول وأرجو ألا يزايد أحد على تعاطفي ومحبتي لأهل هذه القرى التهامية، لأنني، وبفضل الله، من زارهم وكتب عنهم وعاش بينهم وتلمس احتياجاتهم من وطنهم وكتبت طلباتهم سرا إلى المسؤول وجهرا بعشرات المقالات من قبل.

كل ما أقوله إن نظرية (إعادة التوطين) هي نظرية عالمية في علم السكان من أجل (تجمعات) التنمية. ولكم أن تعلموا أن شقيقي الأثير أبو غالب، الذي نشرت لكم رسالته في بدء المقال، هو نفسه من ذرع حتى اليوم من أجل الوظيفة والمستقبل كل الوطن من القطيف إلى جدة إلى أبها. حاسبوا وطنكم إن اقتربتم منه فلم يقترب بذات المسافة.