في منطقة الخليج، تحقق الثقافة والأدب، يوما بعد آخر، نجاحات لافتة على خارطة المشهد الثقافي العربي، وهي شهادة قال بها مثقفون عرب كانوا إلى وقت قريب يحتكرون الساحة الفكرية والثقافية، واليوم يفسحون المجال عن طيب خاطر للأديب والمفكر والمثقف الخليجي والسعودي خاصة ليفيدوا من تجربته، بل إن أحد أبرز المفكرين العرب قال ذات كرنفال ثقافي خليجي "كنا المركز وأنتم الهامش، واليوم أنتم المركز ونحن الهامش". قد يكون ذلك المفكر جامل قليلاً في وصفه إلا أن واقع الفعل الثقافي في السعودية والخليج تسارع بشكل لافت، وهذا لا يعني أن أديب هذه المنطقة كان غائبا، بل هو موجود ولكن بشكل هلامي، وربما أسهمت النظرة الفوقية لبعض من يدعون الثقافة من الإخوة العرب في تحجيم دور ذلك المثقف، ومع ذلك فقد خرجت منذ عشرات السنوات إلى المشهد العربي أسماء خليجية وسعودية كبرى، نقشت بصمتها في جدار الإبداع.

في حقب تاريخية ماضية نشطت حركة التأليف والنشر في عواصم عربية بعينها، بيروت والقاهرة وبغداد تأتي في طليعة تلك العواصم، لأسباب تاريخية كثيرة، أسست لنهضة ثقافية شاملة، تحولت معها تلك المدن إلى منارات يقصدها الكل. إلا أن تلك العواصم في العقود الماضية لم تعد تحتمل أبناءها، أو أن أبناءها لم يعودوا يحتملونها! فهاجر كثير منهم، واستمروا في نشاطهم الثقافي من عواصم الثقافة العالمية الجديدة -حسب اعتقادهم- وأعتقد أن البعض كان انتهازيا في هجرته، وقليل من كان معهم الحق في أن يهاجروا بعد أن تعرضوا لمضايقات في بلدانهم! وفي المقابل فإن آخرين صمدوا في وجه القمع الذي مورس بحقهم، ليس لشيء وإنما حبا في أوطانهم، وشجاعة لا تعرف الهرب! في الخليج يلحظ المعايش للمشهد الثقافي الزخم الكبير من الاهتمام بالثقافة، ومحاولة تهيئة بيئة جاذبة للمثقفين، من خلال المهرجانات الثقافية والمؤتمرات الفكرية الكبرى، ومعارض الكتاب وما يصاحبها من فعاليات تعد الأضخم عربيا، وإن كانت ما تزال بحاجة إلى تراكم! بحسب بعض المثقفين العرب الذين لن يرضوا عن أي شيء يأتيهم من الخليج! مع أنني شاهدت بعضهم من المنتقدين لهذا الخليج في مؤتمرات ينظمها خليجيون في العالم العربي أو في أوروبا، وهم لا يحضرون إلا حين يأتي موعد الطعام، بل إن "مثقفا" عربيا آخر كان في يوم مغادرته لفندق الضيوف يناكف المنظمين لأنهم رفضوا دفع فاتورة مكالمات غرفته، التي أجراها لبلده، وأسقط في يدي حين عرفت مبلغ الفاتورة الضخم!