في طريقه إلى "دار المضانين" علق العاشق المتيم في أحد "الطعوس" أو "الخبوت" والرمال.. ولأن الحالة "إنسانية"! فالأمر يستدعي طلب النجدة والاتصال بالجهات ذات العلاقة لإرسال طائرة "هليكوبتر" تحديدا، لنقل هذا العاشق إلى الدار التي يريدها.. ولكن يبدو أن اتصاله هذا لم يفلح، ولم تأت "الهليكوبتر" كما أراد على وجه السرعة، فاضطر إلى الاستعانة بصديقه "حمد".. والذي لم يوضح لنا الشاعر من أين خرج.. "قم يا حمد شغل الصالون".. "وديني وابشر بسعدك وانا اخاك"، فـ"الصالون" بالدفع الرباعي هو الوحيد القادر على تحمل مشاق هذه الرحلة. والحقيقة أنني لا أعرف هل هذا العاشق يريد الذهاب إلى حبيبته أو إلى هجرته البعيدة، فالتصريح بمثل هذه الأمور يتنافى مع الثقافة التي أخرجت لنا مثل هذه الأغنية، والتي يعجز أعضاء مجمع اللغة العربية عن فهم بعض مفرداتها، ليبقى المعنى في بطن الشاعر حتى اللحظة. المهم أن المنادي يقصد "دار المضانين"، ولا يجوز التصريح بأبعد من ذلك.

معجزة محمد عبده أنه استطاع سابقا أن يقدم الفلكلور السامري أو الخبيتي مثلا بتوزيع موسيقي مذهل، وقبل ذلك، وهو الأهم؛ اختياره لقصائد يستطيع المصري ـ مثلا ـ فهمها أو مقاربتها جيدا، وهنا التحدي في الارتقاء بثقافة مكان ما، وتحويلها إلى حالة إنسانية ووجدانية عامة دون أن تفقد ارتباطها بمكانها الذي نشأت فيه. وهو ذات المكان الذي علق فيه العاشق وظل يستنجد بـ "الهليكوبتر".

لعل أغنية "يا طايره وديني" هي أقرب الأغاني إلى شرائح محددة في مجتمعنا، وقد حققت نجاحا مذهلا، فموسيقى الأغنية وجوها الصاخب ودلالات إيقاعها الفوضوي وغياب أي فكرة في كلماتها؛ تناسب جوا ثقافيا يتماهى مع سلوك الشباب "الدرباوي" مثلا، وهم فئة صماء من شبابنا، تنحو دائما إلى السلوك العدمي، وتعاني فراغا اجتماعيا هائلا، ولا يرتبط سلوكها هذا بإيديولوجيا محددة قدر ارتباطه بجذور ثقافية غائرة في الأرض التي انبثقت منها.