كان أسبوعا حافلا، مليئا بالأحداث على جميع الأصعدة.. سياسياً: "اعتداء العدو الصهيوني على الجريحة سورية"، اجتماعياً: "أمطار الخير على وطني"، شخصياً: "محاضرة ألقيتها في الجامعة".
على الرغم من الاختلاف الواضح بين الأحداث الثلاثة إلا أن هناك شيئا يجمعهم أو يربطهم، على الأقل من وجهة نظري.. ألا وهو الـ(مصطلح)، بالعودة لما يعنيه، سنجد الكلمة أو العبارة تستخدم في سياق نوعي، تشير إلى مفهوم دقيق ومحدد في هذا السياق.
أغلب الوسائل الإخبارية نقلت عبارة: "إسرائيل تقصف سورية"، واستخدام كلمة "تقصف" غير دقيق، ليأتي عوضاً عنها "اعتداء" لتصبح "إسرائيل تعتدي على سورية". أتوقع أن هذا المثال يكفي لأن جميعنا لديه أمثلة كثيرة أصبحنا نرددها في المناسبات كالأغاني، مثل: يشجب، يستنكر، يندد. جميعها مع الأسف "مصطلحات".. لكن هل هذه الكلمة استخدمت هنا للإشارة إلى مفهوم دقيق ومحدد؟ مع الأسف.. لا!
إذا انتقلنا للموضوع من وجهة نظر اجتماعية، نجد أيضاً أن هناك استخدامات عديدة، حدث عنها ولا حرج، كاستخدام "حرام" عوضاً عن "عيب"، و"حرام" أيضاً عن "لا يجوز"، ولا يوجد أبلغ ولا أهم من هذا المثال، لأنه في الأخير أصبحت "حرام" تعني "لا" أداة للنفي، وهذا ليس صحيحا، فكلمة "حرام" تطلق كحكم في الدين الإسلامي، فالحرام: في اللغة اسم مصدر حرّم أي منع، قال تعالى: "وحرام علَى قَرية أهلكناها أنهم لا يرجعون..." {الأنبياء:95}.
أما من ناحية شخصية فإن "المصطلح" كان هو شغلي الشاغل في إعداد محاضرتي، لأهمية المصطلح في التعليم البريطاني، عناء المراجعة والتأكد من استخدام المصطلح الصحيح في المكان الصحيح بدنيا؛ ضعف عناء كتابة وفكرة المحاضرة، ومثال على ذلك مصطلح "تقليدي"، قبل أن أطلقه على أي عمل فني يجب ذكر أسباب مقنعة ومنطقية أدت إلى تسميته بفن "تقليدي".
إن التعامل مع المصطلح فن لا نتقنه نحن العرب، ولا ندرك خطورته وحساسيته، فالمصطلح علم بحد ذاته، بل إنه من أهم العلوم التي تسهم في التنسيق بين العلماء رغم اختلاف أبحاثهم ودراساتهم، وبينهم وبين القارئ العادي غير المتخصص.
فهل يا ترى الاستخدام السياسي الخاطئ للمصطلحات أدى إلى اضطراب المصطلح الذي أدى بدوره أدى إلى البلبلة الفكرية لدى المواطن العربي؟
تذكرت هنا ورقة عمل هند الراشد التي قامت مشكورة بإطلاعي عليها لعدم تمكني من حضور المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية المقام في دبي.. ورقة هند أكدت لي ليس فقط أهمية المصطلح وحساسيته، بل أكدت لي خطورته أيضاً، وبحكم تخصصها في الترجمة (لغة إنجليزية) اختارت "دور الترجمة في تصوير الخطاب الإعلامي في نشرات الأخبار العالمية".. حيث تطرقت "لاستكشاف ممارسات الترجمة في سياق التقارير الإخبارية الواردة عن الجماعات الإسلامية المتطرفة كتنظيم القاعدة، في وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية مثل (رويترز) و(أ ب) و(البي بي سي) و(السي إن إن)..".
ما أثار التساؤلات في نفسي؛ أن المؤسسات الإعلامية تقوم بما يسمى "إعادة سياق النص" لترجمة الخطاب الإسلامي السياسي، بمعنى أنها تتبع سياسات داخلية.
متى لنا أن ندرك ما قاله عم علي مغاوي في إحدى تغريداته: "إن للمصطلح سطوة"!