ليس هناك إهانة أصغر من أن تجعل الإسرائيليين لا يذهبون إلى الحرب ضد منتقديهم، لكن ردة فعل إسرائيل في الأسبوع الماضي على قرار شركة جوجل الإلكترونية العملاقة بتسمية "فلسطين" باسمها بدلا من تسميتها بـ"المناطق الفلسطينية" تظهر أكثر من غضب لا عقلاني. حكومة الحرب الإسرائيلية حساسة جدا، لأنها تخسر الحرب التي عملوا جاهدين للفوز فيها: السيطرة على الإعلام، النقاش، المناظرات، والمقالات الصحفية.

السبب الرئيس للغضب الإسرائيلي هو الاعتراف الدولي بفلسطين، وعدم إصغاء العالم في كل مرة تطالب فيها إسرائيل بشيء ما. آخر مثال على الغضب الإسرائيلي هو إعلانها الحرب ضد جوجل.

قام مسؤولون إسرائيليون فورا بالرد على جوجل ومهاجمتها، وشكلت إسرائيل "لوبي" عالميا خاصا للضغط على جوجل ومطالبتها بتغيير قرارها، لكن جوجل قررت، حتى الآن، أنها ستلتزم بقرارها.

أول من قال إن قرار جوجل يهدد السلام كان أحد زعماء حزب الليكود، زيف إلكين، نائب وزير خارجية إسرائيل وأحد المقربين من نتنياهو. إلكين بعث برسالة غاضبة إلى جوجل، مطالبا إياها بالتراجع عن قرارها، وأعلن من خلال راديو الجيش الإسرائيلي أنه "عندما تأتي شركة مثل جوجل لتدعم هذا الخط، فإنها في الواقع تدفع بالسلام بعيدا... وتخلق بين القادة الفلسطينيين وهماً بأن هذا الأسلوب يمكن أن يوصل إلى نتيجة.. بدون مفاوضات مباشرة معنا لن يحدث شيء أبدا."

نائب وزير الخارجية إلكين أوضح أنه لا يرى الحل إلا من خلال تطبيق نظام فصل عنصري (أبارتايد) أو نفي الفلسطينيين (التطهير العرقي). في مؤتمر في يوليو عام 2012 أقيم في الخليل في الضفة الغربية، قال إلكين "هذه أرضنا، ومن حقنا أن نمارس حق السيادة عليها.. بغض النظر عن معارضة العالم، آن الأوان لنفعل في يهوداة السامرة (الضفة الغربية) ما فعلناه في القدس والجولان".

السيد صبري صيدم، مستشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، اعترف بأهمية قرار جوجل في كل من العالم الافتراضي في الإنترنت وفي العالم الواقعي في آن معا، ووصف هذا التحرك من جوجل بأنه "نصر لفلسطين وخطوة إلى الأمام نحو تحريرها." كما قال السيد صبري صيدم إنه يعتقد أن إسرائيل تخشى من أن مفهومها لـ"يهودا والسامرة" – وهو الاسم الذي يطلقه الإسرائيليون على أراضي الضفة الغربية- سيتعرض للخطر. في عالم الإنترنت الافتراضي لـ(جوجل إيرث)، خرائط جوجل، محركات بحث جوجل، ستصبح فلسطين واقعا جغرافيا يستطيع الجميع أن يراه – من طلاب المدارس إلى الشركات العالمية التي يمكن أن تقيم مشاريع استثمارية في هذه الدولة، لذلك فإن إسرائيل ليست قلقة حول الناحية الرمزية لتغيير التسمية فقط، ولكن حول ما وصفه السفير شاس فريمان بأنه السيطرة على المصطلحات العامة التي يستخدمها العالم، والتي تعتبر "عنصرا أساسيا من الحرب الحديثة"، وذلك خلال خطاب ألقاه السفير فريمان في الأول من ديسمبر 2012 في مؤتمر بموسكو.

في ذلك الخطاب، قال السفير شاس فريمان إن المصطلح الإسرائيلي (هسبارا) هو مفهوم "يترجم غالبا على أنه يعني "التفسير".. هذا لا يعطي المفهوم حقه. مصطلح (هسبارا) يربط بين حرب المعلومات مع الجهود الاستراتيجية للدولة لدعم وحدة الجبهة الداخلية؛ ضمان تأييد الحلفاء؛ اعتراض جهود تنظيم الائتلافات المعادية؛ تقرير طريقة تعريف القضايا في أجهزة الإعلام؛ نزع الشرعية عن النقاد والحجج التي يستخدمونها؛ وصياغة فهم عام لنتائج المفاوضات الدولية.

جذور مصطلح (هسبارا) تعود إلى مفاهيم سابقة في الحملات الإعلانية والدعائية، وذلك في الرقابة الإعلامية. ومثل هذه الأمور هي نوع من الاتصالات المحسوبة التي يراد منها التأثير على الفهم والسلوك من خلال استغلال المفاهيم العامة لقضية أو موقف بطرح جانب واحد فقط من النقاش، ومواقف مسبقة، وباستغلال النواحي العاطفية... ولا تسعى (هسبارا) فقط لتلميع أو تشويه الصور الوطنية ذات العلاقة أو لتزويد معلومات مفضلة للنظريات التي تتبناها، لكنها تسعى أيضا بقوة ونشاط إلى غرس شرائع لما هو صواب من الناحية السياسية وما هو ليس مقبولا في أجهزة الإعلام المحلية والعالمية، الأمر الذي سيشجع على الرقابة الذاتية لدى هذه الأجهزة الإعلامية.

إن مفهوم (هسبارا) من أكثر الأسلحة التي يستخدمها اللوبي الإسرائيلي فعالية في الولايات المتحدة الأميركية من خلال السيطرة على مقولة إن ما يسمى بـ"الدفاع عن النفس" عند إسرائيل يتضمن الاغتيالات الموجهة دون الحاجة إلى وجود أي أدلة أو اتهامات، وكذلك يتضمن الاعتقالات والإهانات، بما في ذلك التعذيب للأطفال، وانتهاك السيادة، مثل تدمير المفاعل النووي العراقي في 1981 ، أو الغارات الأخيرة ضد أهداف سورية.. من خلال كل ذلك تستطيع إسرائيل أن تفعل ما تشاء، منتهكة القانون الدولي، وهي تتمتع بحصانة لا تتمتع بها أي دولة أخرى في العالم، لكن تغييرا بسيطا في الاسم من "المناطق الفلسطينية" إلى "فلسطين" من قبل شركة جوجل للإنترنت يهدد بهدم ما بناه مفهوم (هسبارا) على مدى عقود من الزمن.. مفاجأة غير سارة لإسرائيل، لكنها مفاجأة رحب بها العالم.