تعاني المنظومة التعليمية في المملكة العربية السعودية من سلبيات عدة تحول دون النهوض بهذا القطاع. ومن هذه السلبيات استمرار مسلسل تنقلات المعلمين والمعلمات من منطقة إلى أخرى، والذي بات أشبه بالمسلسلات التي لا نهاية لها، هربا من المناطق النائية التي تؤدي إلى إنهاك قوى الطالب والمعلم قبيل استهلال اليوم الدراسي.

فضلا عن أن حلوقنا جفت وأصواتنا بحت ونحن ننادي منذ سنوات بضرورة تطوير المناهج الدراسية لتواكب ما يجري في العالم الخارجي. ولا ننكر أن هناك محاولات للنهوض بالمنظومة التعليمية في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد محاولات.

من السلبيات أيضا أن نسبة لا يستهان بها من المعلمين والمعلمات كبار السن غير المؤهلين ما زالوا على رأس العمل إلا أنه يصعب عليهم الانخراط في كل ما هو حديث ومطور.

عدد كبير من المعلمات بعد التخرج لا ينخرطن في القطاع التعليمي بل يتفرغن للحياة الأسرية والأبناء، وبعد سنوات من الركود تسعى للعمل في إحدى المنشآت التعليمية، فما الفائدة التي من الممكن أن تعود على أبنائنا من هذه المعلمة بعد انقطاعها عن التخصص لفترة لا يستهان بها.

قطاع لا بأس به من المعلمين والمعلمات يكتفي بالتوظيف في المنشأة التعليمية ولا يحاول أن يطور من نفسه بالحصول على دورات تدريبية ترفع من مستواه ليواكب كل ما هو جديد.

في أحدث دراسة قدمتها ثريا أبو ثامرة قبل أيام بكلية الأمير سلطان للسياحة والإدارة بجامعة الفيصل، حول إمكانية تطبيق نموذج (التوظيف بالمشاركة - Onboarding) على إحدى المدارس الأهلية بمدينة خميس مشيط، بينت الدراسة أنه للنهوض بمستوى المعلم الذي التحق حديثا بالمؤسسة التعليمية، لا بد من توافر خطة استراتيجية شاملة لاستقباله منذ أن تطأ قدمه المؤسسة التعليمية، ومن أولويات هذه الخطة مشاركته مع الإدارة في تطبيق مبادئ العمل الأساسية، وضرورة إخضاعه لتقييم في أسبوعه الأول للوقوف على سلبياته عملا على تقليصها، وإيجابياته عملا على تطويرها، إضافة إلى إخضاعه للدورات التدريبية التي يحتاجها بعد مرحلة التقييم. ويعرف هذا النموذج قبل عدة سنوات في الولايات المتحدة الأميركية وتم تطبيقه بالفعل، وكان من نتائجه صناعة معلم مكتمل المواصفات نستطيع أن نطمئن على أبنائنا معه، خصوصا وهم يقضون جل أوقاتهم وأهمها في المدرسة بصحبة هذا المعلم. كما خرجت الباحثة بأنه من الضروري الاهتمام بالمعلمين حديثي التخرج والحاصلين على دورات تدريبية كافية خصوصا في استخدام الحاسب الآلي وأجهزة التواصل الإلكتروني الحديثة، والتي تسهل التواصل مع الطلاب من داخل الفصل الدراسي عوضا عن التواصل عن بعد.

من الضروري وضع برنامج مكثف لإعداد المعلمين، ما يساعدهم على فهم تطلعات المؤسسة التعليمية، وتوجيههم إلى العمل بفعالية داخل المؤسسة وفي بيئة تعليمية صالحة.

نتمنى أن نرى منظومتنا التعليمية وهي تسعى إلى التطوير والحداثة مبتعدة عن الجمود ساعية إلى تطبيق مثل هذه النماذج الحديثة الناجحة التي تم اختبارها في الخارج والداخل، وألا يكون مصير هذه الدراسات أن تكون حبيسة الأدراج أو تحفة على أرفف مكتباتنا.