مررت بوجهه البارحة في عيون طفل يتيم يخرج من مدرسته التي تركها لعام كامل من قبل لأن تحالف (الجهل مع الفقر) يظن أن مثل هذا الطفل الشارد اليتيم لن يكون بلا مستقبل. شاهدت (محمد بن حسين العمودي) في عباءة أب معاق يعيش بفضل (إحسانه) مع أولاده وبناته الخمس في منزل يكفل الحد المطلوب من الكرامة الإنسانية، وقد كانوا من قبل (العمودي) في كهف حجري. شاهدت (محمد بن حسين العمودي) من قبل في علب الدواء وموائد عشرات الأسر لوجبة الغداء، ولكنني بكيت مساء البارحة وهو يزف، من حيث لا يدري ولا يعلم، هذه الفتاة التي تحالفت في حياتها كل الظروف، إلى عريس ومنزل. حزنت لأن هذا الإنسان لم يشاهد شلال الدموع على وجنات والديها منتصف المساء، بعيد الحفلة البسيطة، أم تبكي على لحظات الوداع وأب ينحب، لأنه ومثلما قال لي بالحرف: كان ينتظر هذا المساء لاثنين وثلاثين عاما وآن له أن يرحل من هذه الحياة مطمئنا، ونسأل الله عز وجل تمام الفرحة.

لم أشاهد من قبل محمد بن حسين العمودي ولم نتقابل حتى في صدفة، ولكننا نشاهد بعضنا البعض في عشرات الوجوه والقصص. لم أشاهد له صورة شاردة في وسيلة إعلامية، ولم أستمع إليه في جملة واحدة بين ملايين الجمل التلفزيونية. ظل محمد بن حسين العمودي في عوالم الإنسان، اسما مجهولا رغم أنه (العلم) المعلوم في حياة المئات من حيث لا يدري ولا يعلم. وعندما عدت تباشير الفجر لمنزلي من حفلة زواج لهؤلاء الفقراء على يديه، تذكرت نماذج (القاع السحيق) التي تبحث عن هؤلاء القادرين، مثلما فعل العمودي، على حلم حياة نستطيع أن نجد له أبسط الحلول حتى بفراطة الجيب: ثلاث غرف لأسرة في نيبال بكلفة وجبة عشاء فاخرة. عملية سحب الماء الأبيض من أم كي تشاهد أطفالها وأحفادها في السودان. كرسي متحرك كي يكمل طالب (القنفذة) المعاق مشوار الطموح إلى قاعات قسم المحاسبة.. هؤلاء هم (القاع) الذي يجب أن نبحث عنه.