هذا هو المقال الثاني الذي أتطرق فيه إلى القناة الثقافية السعودية، والتي تمثل الجهة الرسمية الموكل إليها إبراز المشهد الثقافي والإبداعي وما يحتويه من حراك استطاع لفت الأنظار إلى العمل الفكري والنتاج المبدع من عدد لا يستهان به من كتاب وكاتبات الوطن الكبير وفنانيه. الحديث عن مستوى الإنتاج للبرامج المقدمة يأخذ تشعبات متعددة وقد تختلط بعض الأوراق، خاصة إذا عرفنا أنه حتى مع النقلة المادية لعناصر البث التلفزيوني منذ أكثر من عامين، إلا أن قناتنا الأثيرة لما تصل إلى المستوى الاحترافي المأمول الذي في المقابل شهدته قنوات وليدة ليس لها ما تستند إليه على صعيدي الطاقة البشرية أو الإمكانات، الأمر الذي يقلل نسبة المشاهدة حتى من المثقفين أنفسهم وأصحاب الاهتمام، ولعل تغطية بعض الأحداث المهمة التي مر بها الشأن الثقافي في الأشهر المنصرمة تعطي شواهد على أن الوقفات الفنية التقويمية تكاد تكون غير موجودة، وإلا فما مبرر أن يكتظ حديث مذيع يفترض أن يقدم نشرة أخبار الثقافة بالأغلاط اللغوية التي لم تسلم منها مذيعات القناة الإخبارية كذلك؟ وكيف يمكن تبرير أن تستمر قناة الثقافة في النمط الرتيب من الأسئلة الحوارية المتكئة على قدرة المذيع السردية وتهويماته الإيحائية الصورية؟ هل الملء الكلامي هو المقصود؟ أين التفاعل اللفظي الهادف الذي ينمّ عن تحضير جيد ودراسة جادة للحدث أو الضيف أو المنتج أيا كان نوعه؟

كيف لمثقف أن ينجذب إلى منتج برامجي وهو يلحظ الركاكة والتقديم المدرسي المتوقع يمثلان لنصف ساعة أو تزيد؟ ما نفهمه أن تكون هناك ورش عمل تعد للبرامج وتستقصي الأخبار وتعمل على صياغتها بما يتلاءم والوسيلة القائمة بالاتصال والعاملة على إرضاء الشريحة المستهدفة وفق مضمون علمي دقيق.

ولعلي هنا أشير وأشيد بالمستوى البرامجي المتنامي الذي تختطه الإذاعة السعودية في البرنامج العام أو إذاعة جدة فيما يخص البرامج الثقافية وغيرها، ولهذا نهرع إلى الإذاعة على الرغم من أن القدرة الاتصالية مع المنتج الإذاعي لا تقارن بالتلفاز الذي يدعم حضوره بالمشهدية والإثارة.

لم يعد مقبولا أن نرتب الأعذار لجهازنا التلفزيوني العملاق في ظل التنافسية الفضائية الكبرى، مثلما أنه ليس من المعقول أن يتفاعل المذيع الثقافي مع شاعر للتو فرغ من إلقاء نصه بـ"صح لسانك"، نحن مع كل التقدير لن نصبر على طعام واحد، وإن أحببناكم.