بقدر حماس السكان في المملكة، موظفين وطلبة رجالا ونساء وأطفالا، للإجازة الصيفية، وبعد طول انتظارهم لها؛ إلا أنهم يتذكرون معاناتهم السنوية مع بعض أزمات الصيف، ورغم حرص ومتابعة الحكومة السعودية وكبار المسؤولين في الأجهزة الخدمية على معالجة هذه الأزمات؛ إلا أن المعاناة من الخدمات الأساسية أصبحت عادة سنوية تعود عليها المواطنون، وأصبحت جزءا من حياتهم الاعتيادية في فترة إجازة الصيف. وقد يعتقد البعض أن جميع سكان المملكة يقضون إجازاتهم خارج المملكة أو في مصايفها، وهو اعتقاد خاطئ فليس جميع السكان قادرون على تغطية تكلفة السفر في الإجازات لظروفهم الاقتصادية. ويقال إن نسبة 10% من السكان في المملكة هي التي تقضي جزءا من إجازتها خارج مدنها أو مناطقها أو خارج المملكة، وهي أيضا تعاني من بعض أزمات الصيف.

أكبر معاناة يعاني منها السكان في الصيف هي الناتجة عن انقطاع التيار الكهربائي في ذروة الحرارة صيفا في منتصف الظهيرة. ورغم جميع المشاريع العملاقة التي تقوم بها شركة الكهرباء في المملكة لزيادة الطاقة الكهربائية إلا أن الطلب المتزايد على الكهرباء في فصل الصيف يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي. وأكبر إنذار استلمه سكان المملكة في بداية صيف هذا العام هو تصريح أحد أكبر المسؤولين بشركة الكهرباء الذي قال: "إن الشركة لا تعد المواطنين بعدم انقطاع التيار الكهربائي في فصل الصيف هذا العام"، وطالب المواطنين بترشيد استهلاك الكهرباء وتأجيل الكي وغسيل الملابس لبعد ساعات ذروة الاستهلاك الكهربائي في الظهيرة، وألزمت شركات الكهرباء المواطنين باستخدام العازل الحراري في البناء كشرط لإدخال الكهرباء لأن العازل الحراري يوفر 40% من استهلاك فاتورة التكييف، وبالفعل بدأ تطبيق القرار في منطقة الرياض وجار تطبيقه في بقية أنحاء المملكة. وحسب بعض التوقعات المبنية على تصريحات مسؤول شركة الكهرباء فإن انقطاع الكهرباء وارد يوميا ولفترات محددة إذا لم نفاجأ بكوارث أعطال لبعض المحطات الرئيسية.

أما أزمة المياه في الصيف فقد بدأت ملامحها في بعض المدن الرئيسية في المملكة، وهي أزمة سنوية اعتاد عليها المواطنون، وتعد أسواقا موسمية رائجة لموردي الماء المحلى أو من الآبار الارتوازية من خلال "الوايتات"، وقد تكون المعاناة أكبر هذا العام للعديد من الأسباب التي يصعب ذكرها. وقد بدأ ارتفاع أسعار "الوايتات" مع بداية هذا الشهر. فأزمة المياه أصبحت عادة لكنها مؤلمة ومؤثرة على اقتصاديات تشغيل المنتجعات والفنادق السياحية.

أما الأزمة الأزلية والتي نعاني منها طيلة أيام العام، وعلى وجه الخصوص في مواسم الإجازات والإجازة الصيفية وموسم العمرة وشهر رمضان وأيام الحج؛ فهي أزمة النقل الجوي، والذي أثبتت الخطوط السعودية فشلها في حل الأزمة بسبب عدم قدرتها على حل معادلة العرض والطلب على مقاعد الطيران السعودية بين جميع مدن المملكة، وعلى وجه الخصوص بين جدة كمحطة للوصول إلى مكة المكرمة أو كمدينة سياحية لقضاء الإجازة فيها وبين بقية مدن المملكة، أو بين العاصمة السياسية الرياض وبقية مدن المملكة. وأكبر معاناة يعانيها المواطنون هي الحجوزات على الخطوط السعودية، ففي فترات الصيف ورمضان والحج تلجأ "السعودية" إلى بيع مقاعد الطائرات على شركات العمرة والحج قبل المواسم بخمسة أشهر تقريبا دون الأخذ في الاعتبار الراغبين في الحجز في الإجازات أو الحجوزات المتأخرة وأصحاب الظروف الطارئة للتردد على جدة، أو الرياض وغيرها من المدن. وتستند الخطوط السعودية على سياسة الأفضلية والأولوية للحجز المبكر، والسكان في المملكة ثقافتهم في الحجز المبكر قبل شهور ضعيفة جدا لأن قراراتهم متأخرة، ورغم أن "السعودية" تعلم جيدا بحجم المشكلة إلا أنها فشلت في إيجاد الحلول. حتى إننا استبشرنا بدخول شركة ناس التي أسهمت في معالجة جزء من المشكلة إلا أن حجم الطلب أكبر، وكنا قد تفاءلنا هذا العام بقرار السماح لإحدى الشركات الخليجية بالنقل الجوي الداخلي إلا أن القرار لم يفعل ولا نعلم عن الأسباب. وفي غياب القطارات السريعة والبدائل المريحة الأخرى تظل الأزمة قائمة. أما عن المعاناة الحقيقة لاقتصاديات السياحة الداخلية فهي استغلال بعض ضعاف النفوس زيادة الطلب على الشقق والغرف والفلل السياحية في بعض المصائف، بما فيها جدة، ورفع الأسعار بطريقة عشوائية وفيها نوع من الاستغلال، وهو إجراء لا يخدم السياحة ويحتاج إلى ضبط ومراقبة محكمة لكي لا تتأثر السياحة الداخلية. والأمر كذلك لفنادق وشقق مكة المكرمة للمعتمرين في فترة الصيف.

إن من أنجح الهيئات المتخصصة في المملكة هي هيئة السياحة التي قفزت بأرقام السياحة الداخلية إلى أرقام الملايين، ولو حللنا أثر هذه الملايين على الاقتصاد السعودي لوجدنا أنها وطنت البلايين من الريالات في أسواق المملكة، فأسهمت في تحريك السوق وفتحت فرص عمل للسعوديين، ولهذا فإن جميع الأزمات الموقتة في فترة الصيف تحتاج إلى حلول، والحلول من وجهة نظري في متناول صناع القرار وأجزم بأننا قادرون على معالجتها بخطط متناسقة بين قطاعات الخدمات، فعلى سبيل المثال فإن التسريع بتنفيذ قطار شرق غرب من العاصمة إلى الساحل الغربي سيخفف الضغط على شركات النقل الجوي وسيخفض من نسب استهلاك البنزين للسيارات، حيث يقال إن معدل استخدام الفرد في المملكة للبنزين هو الأعلى في العالم حيث وصل إلى 950 لترا سنويا مما دفع المملكة لاستيراد البنزين من الخارج، حيث يتوقع أن يتم استيراد 100 ـ 120 ألف برميل من البنزين يوميا في فترة الصيف التي تبدأ من يونيو إلى نهاية أغسطس.

وأخيرا: هل ستبقى المعاناة عادة أم أن هناك أملا بتغيير عاداتنا؟