ما هو الرابط المشترك بين هؤلاء: لؤي نسيم، عبدالمحسن الربيعة، ونايف القحطاني؟ الإجابة باختصار: هذه الأسماء هي عناوين لقصص نجاح سعودية مميزة، تجمع بينها القدرة على خلق قيمة اقتصادية ضخمة في وقت قصير وببدايات محدودة مع الكثير من الطموح والاندفاع من ناحية، والتفكير المنظم والتخطيط من ناحية أخرى.

في الأسبوع الماضي تحدثت عن وجود نسبة عالية من "فشل" الشباب الرياديين والمبادرين الذين يحلمون بتأسيس مشاريعهم الخاصة، وذلك رغم كل الجهود والدعم الحكومي والخاص لهم، والسبب أن هناك ضعفا كبيرا في "إرشاد" هؤلاء الشباب لتحقيق النجاح التجاري واتخاذ الاستراتيجيات الصحيحة والتخطيط السليم لأعمالهم، فتبدأ قصة النجاح بحماس ودعم وساعات طويلة من العمل الشاق، ولكنها تنتهي بمشروع فاشل أو محدود النجاح، لا يحقق القيمة الاقتصادية المأمولة.

هذه المشكلة ليست جديدة في عالم ريادة الأعمال، ووجودها كان سببا في نشوء منظمة عالمية لا ربحية اسمها "إندافور" Endeavor تعنى بشكل خاص بمساعدة رواد الأعمال على تحقيق النجاح، ليس فقط مساعدة لهم على الوصول إلى خط النهاية، ولكن أيضا لدفعهم على اختيار مشاريع تحقق "تأثيرا عميقا" Deep Impact Entrepreneurship في النمو الاقتصادي الوطني، لأنها توفر عددا كبيرا من الوظائف المحلية، ولأنها تسهم في نمو القطاع الاقتصادي الذي ينتمي إليه المشروع بشكل كبير. تحدثت عن المنظمة وأهدافها وطريقة عملها بشكل مطول مع راكان العيدي، رئيس "إندافور" في السعودية، حيث بدأت نشاطها سعوديا العام الماضي، بمجلس إدارة يضم بعض أبرز رجال الأعمال السعوديين، والذين يسهمون مجتمعين في تمويل جهودها اللاربحية في هذا القطاع.

ما تحاول "إندافور" فعله هو خلق شبكة انتقائية أو "نادي" يجمع رجال الأعمال الكبار من جهة، والمرشدين المتخصصين ذوي الخبرة في مجالات معينة من جهة أخرى، وبين رواد الأعمال، الذين يتوقع لهم - بناء على معايير واضحة - تحقيق قصص نجاح باهرة ذات "تأثير عميق".

حتى الآن اختارت "إندافور" ثلاثة رواد للأعمال في السعودية ليكونوا أعضاء في منظمتها (يدفع العضو اشتراكا سنويا مقداره عشرة آلاف دولار)، وهؤلاء هم الذين ذكرتهم في بداية المقال، وأعتقد أنهم يستحقون تسليط أضواء الإعلام عليهم لأنهم يمثلون نماذج حقيقية للنجاح، وتضيء حكاياتهم الطريق أمام الكثير من الشباب السعودي والعربي الطموح.

قصة لؤي نسيم بدأت قبل عدة سنوات عندما كان مديرا لشركة إعلانية، وبعدها بدأ بتجاربه على تصميم الأثواب الرجالية، ليؤسسس بعدها "لومار" التي تشمل حاليا 13 فرعا، والتي استطاعت أن تعيد تعريف مفهوم الملابس الرجالية وأناقتها وتصميمها، ولديها خطة توسع ضخمة.

عبدالمحسن الربيعة من جهته أسس "شاورمر" قبل حوالي 3 سنوات، وكان سابقا قد أسس مع ثلاثة طلبة جامعيين آخرين مطعم "تو إن ون"، ثم استطاع من خلال "شاورمر" أن يأتي بمفهوم جديد للشاورما ويمتد عبر فروع عديدة، ولديه خطة مماثلة للتوسع، لتتحول "شاورمر" تدريجيا إلى شركة عملاقة.

أما نايف القحطاني فقصته مؤثرة ومميزة، فقد بدأ نايف في 1998 سائقا لرافعة شوكية، وبجده واجتهاده تحول إلى مدير إقليمي لـDHL في 2008، ولكنه فضل أن يترك عمله الإداري ويؤسس شركته الوطنية المتخصصة في اللوجيستيكس (النقل والإمدادات والتخزين) منافسا بذلك الشركات العالمية الكبرى التي تعمل في المملكة، مستفيدا من دعم لصندوق واعد التابع لأرامكو.

يقول راكان العيدي بأن ما يجمع هؤلاء الشباب هو أن تجربتهم جاءت دائما بعد خبرة عملية طويلة، فكلهم بدؤوا في منتصف الثلاثينات، وجاءت بعد عدة قصص فشل، وهذا متوافق مع ما قاله كيم موريس والذي أسس معهد ريادة الأعمال في MIT بأن معظم الشركات التي تجاوزت قيمتها أكثر من مليار دولار حققت ذلك لأن الذين أسسوها تجاوزوا أربعين سنة من العمر، واستطاعت الوصول إلى ذلك بعد 15 سنة من البناء والتطوير.

قصص نجاح هؤلاء الشباب في نظر "إندافور" ليس معناها نجاحهم الفردي فقط كما قلنا، بل تحقيق "تأثير عميق" اقتصاديا في المجتمع، ولشرح معنى ذلك يمكن استعراض نتائج دراسة لـ"إندافور" على ثلاث شركات تقنية تم دعمها من خلالهم في الأرجنتين، والتي استطاعت أن تترك تأثيرا في 80% من شركات التقنية الأرجنتينية، لأن موظفي تلك الشركات التقنية أو المستثمرين فيها أو مؤسسيها كانوا يوما موظفين في تلك الشركات الثلاث المؤثرة في قطاع تقنية المعلومات في الأرجنتين. ما يعنيني هنا ليس تجربة "إندافور" والتي ربما ركزت عليها بشكل مكثف هنا، بل ما يعنيني أن إرشاد رواد الأعمال وتطوير أعمالهم عندما يتم من خلال رؤية ناضجة وبناء على شبكة قوية من الخبراء والمرشدين، وباختيارات تبحث عن النجاح قبل البحث عن مجرد مساعدة الشباب والأفكار الجديدة؛ فإنها تؤتي بثمار تستحق الفخر والإشادة من جهة، ولها تأثيرها الاقتصادي من جهة أخرى.

في الأسبوع المقبل سأتحدث مع شخصية مميزة في مجال تطوير ريادة الأعمال في المملكة عن مقاربة جديدة بين الواقع والمأمول.