أليس من حقنا أن تُحترم عقولنا كقراء، مشاهدين، ومتابعين؟ أليس من حقنا معرفة الحقيقة دون تدخل، أو وضع الرتوش، أو أي تحوير أو فرض رأي؟ أليس من حقنا أن نُجاب حين نَسأل؟ أليس من حقنا أن نصحح المعلومات الخاطئة بالدليل والحجة؟ الظاهر أنه بات ليس من حقنا سوى الاسترخاء والتلقي، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا!

نسارع إلى تناقل مقالات أو حوارات أو أقوال أشخاص نحترم رأيهم ونجلهم، فنفاجأ بهم يدخلون بنا في متاهات من المعلومات والتحليلات التي لا نعرف من أي مطبخ يتم صنعها..لا منطق ولا مطابقة لما يحدث على أرض الواقع، فمثلا منهم من تجدهم يطبلون ويزمرون لانتصارات فنجد أنها هزائم، وليتهم يتوقفون عندها، بل يقدمون تبريرات ليس فيها أي منطق أو ترابط، ولكن للأسف تُصدق وتستمر المسرحية!... وإياك أن تسأل أو تعترض، ستتهم إن فعلت بالجهل، والفكر الضيق، إن لم يتم ختم جبينك بالغباء!

نتابع شخصيات دينية وقورة، تحدثنا عن الخير والتآخي والعطاء، وتمطرنا بأقوال عن الصلح والعمل على التوفيق بين العباد، ثم نجدهم يحرضون على مخالفة أمر واضح، بل الخروج عن قانون الدولة والمجتمع، والتوجه للقتال في أرض إخوة لنا، يتنازع أهلها على ماذا؟ لا ندري.. حقا بتنا لا ندري.. دين أم طائفة، أرض أم سلطة، تدخلات خارجية أم الأمر داخلي بحت؟ كل ما نعرفهم أن إخواننا إياهم يمطروننا كل يوم بمفاهيم وتبريرات جديدة، وتتواتر الأسئلة في الأذهان: هل تم تكوين فريق سلام توجه، على الأقل مع بداية أي أزمة لدى أي بلد شقيق، ليرى ويسمع بنفسه ما كان يجري على أرض الواقع؟ هل نادى أحدهم بتشجيع الإخوة المتناحرين على الحوار والتلاقي؟ إن لم يكن الأمر هكذا، ولم يكن، فهل تبرع أحدهم بإرسال أولاده أو أقربائه أو حتى ذهب بنفسه لكي يقوم بما يطالب به الآخرين ويحثهم على فعله؟ لم نر سوى تحريض وتجييش للمشاعر، وحملات الضغيـنة والعداء! ... وإياك أن تسـأل وإلا فسوف يخرجونك عن الدين والملـة، هذا إن لم يتـم تجريدك من الوطنية والانتماء!

نقف عند معلومة تاريخية يستخدمها أحدهم، ربما ناشط اجتماعي أو ربما مثقف، كدليل على فكرة يقدمها للارتقاء بالمجتمع وشبابه، وهذا أمر جميل جداً، ولكن حين نعود لعدة مصادر موثقة، نجد أن المعلومة خطأ! نعم هنالك نية طيبة وهدف نبيل، ولكن هذا لا يسمح لنا بأن نزور التاريخ سواء بقصد أم عن غير قصد! والطامة تكون حين تبادر بتصحيح المعلومة لهذا "المثقف"، تتواصل معه وبكل احترام دون أي تعد أو تقليل من شأنه، وتجد أنه يتجاهلك تماما! قد نتقبل ذلك منه، بل إننا قد نعذره، فلربما لا يريد متابعيه أن يروا أن شخصا ما صحح له معلومة، و"البرستيج" والمصداقية أمر مهم بالنسبة لهذه النوعية ممن يرعبهم أي تغيير في نظرة متابعيهم إليهم، ولكن أن يتجاهل المعلومة كليةً ولا يقوم بتصحيحها! هنا يدخل الأمر دائرة الأخلاقيات والمسؤولية بالنسبة لنشر الكلمة والمعلومة، فماذا لو أن أحدهم، ولننتبه هنا أن غالبية من يتابع من الشباب، ماذا لو اكتشف أحدهم يوما أن ما قدم له من قبل هذا "المثقف" غير صحيح؟ بالتأكيد سوف يقصف بذهنه الهدف النبيل بأكمله وليس الجزء الخاص بالمعلومة التاريخية! وإياك أن تسأل وتصر على تصحيح المعلومة، لأن ذلك سوف يعتبر تدخلا في شؤون تربية النشء والتشويش على "الأهداف النبيلة"!

لا نريد التشويش أو التعدي، أو حتى نشر الفوضى، لا سمح الله، ولن تجد أكثر منا حبا ووطنية وانتماء لهذه الأرض الطاهرة الطيبة.. كل ما نريده هو حقيقة ما يجري على أرض الواقع، نريدها كما هي سواء أعجبتنا أم لم تعجبنا.. لا نريد أن نفاجأ بأحداث ليس بينها وبين ما كان يقدم لنا أي رابط.. نريد أن نكون مستعدين لمواجهة أي خطر قد يداهمنا، لا سمح الله، ويهدد أمن بلادنا، لا أن نستيقظ يوما لنجد أن ما كنا نحاول أن نتجنبه يتسلل إلى داخل أسوارنا الدينية والتعليمية والاجتماعية.. بل إلى داخل نواة أسرنا! نريد أن نُعّلم ونحمي ونرتقي بأبنائنا من دون أي تشويش أو تضليل، نريدهم هنا بيننا، حيث نستطيع العمل على تطويرهم ومساعدتهم على بناء مستقبلهم ومستقبل أمتهم، ولكل من يسعى أن ينال ثقتنا ودعمنا فليحترم عقولنا، وليقدم لنا الحقائق كما هي.. وليترك لنا التفكير والتحليل ومن ثم الحكم بأنفسنا على ماهية الأحداث، بالاعتراف والاحترام والمشاركة... نستعد، نخطط، لنواجه إن لزم الأمر، بالتهميش والتجاهل... نخسر، والخسارة هنا لن تكون هامشية.. وعليه يحق لنا أن نسأل ويحق لنا أن نعترض!