منال الرشيد - الملحقية
الثقافية السعودية بالإمارات
هم ذوو الإصرار والإرادة، هم الواثقون بأنفسهم. هم الذين إن اقتربت منهم تسحر بقدراتهم، هم عالم صغير مليء بالحب والعفوية. نعم هي تجربتي معهم إبان الأسبوع السعودي الإماراتي لذوي الإعاقة "الواثقون" الذي نظمته مؤخراً الملحقية الثقافية السعودية في دبي برعاية من سفارة خادم الحرمين الشريفين في الإمارات، لكنها برزخ ثمين، أيام علقتني بهم، تركت في قلبي بصمة جميلة جعلتني أبتر فكرتي الزهيدة عنهم ومزقت غطاء حجب نظري إليهم، فالقدر أرسلني إليهم ليوقفني في المرسى بالقرب من شواطئهم.
وقفت لأكتشف عالمهم الغامض فلم أجد سوى عبارات الإصرار والعزيمة وقهر المستحيل، شعرت حينها بالخجل من نفسي، لكنني استمددت منهم كل معاني الأمل، هم واثقون بجدارة، وبتخطيهم الصعاب تفوقوا على أقرانهم ذوي الكمال العقلي والجسدي، بإمكانياتهم المحدودة توصلوا لأعلى القمم وحققوا إنجازات يطمح بها الكثيرون، ولم يستسلموا، بل واصلوا البحث عن بوابة النجاح، فدخلوها، هم كثيرون من حولنا إن تمعنا قليلا ستجدهم قريبين جدا. وأنا كذلك وجدتهم قريبين مني، بل جعلوني أقترب منهم أكثر فأكثر، ترحلت معهم وإليهم وعشت أروع لحظات التفاؤل والأمل، بل هم من كانوا يدفعونني خطوة بخطوة للأمام . تيقنت بأنهم كنوز مدفونة تحتاج من يسعى ليخرجهم من أماكنهم, وينطلق بهم إلى العالم الخارجي ليرى الآخرون إرادتهم وعزيمتهم. فقررت لوهلة أن أعمل جاهدة لأن أصل إلى قلوبهم وعقولهم وأستلهم منهم الروح الخفية المليئة بالمشاعر المكنونة الرائعة، وأبعث رسالة للآخرين بأنها فئة تستطيع قهر الصعاب بقدرات بسيطة محدودة وبلوحات حسية وحركية تبهر من حولها، وحرصت أن أجعل كل فرد حينها يستحضره حديث نفس بأنه هو من يملك نقصا وأن هؤلاء هم ذوو الكمال العقلي والجسدي، بل دافع لكل شخص بأن يرى العالم بزوايا عدة، ففي قلب الحدث تشابكت يدي بأيديهم، ومشينا في خطى ثابتة وقوية وأكملنا المسير حتى وصلنا إلى خط النجاح، فبلحظات خطفت قلوب الجميع بما قدموه من حس ومشاعر وعفوية، وأثبتوا بأنهم الواثقون، الصامدون في هذه الحياة، فلم نقتصر على هذا فقط، فأسرعنا لإرسال برقية لكل فرد حاضر بأن علينا معايشة "الواثقون" والوصول لقلوبهم وما يفكرون به، وعلينا أن نعي بأنهم أناس بيننا وبينهم تشابه، ويتفوقون علينا بأمور نجهلها، فنظمت الملحقية لقاء جمعهم على اختلاف فئات إعاقاتهم تخللتها دورات تدريبية وأيام مفتوحة لهم للتعبير عما يكنونه في أنفسهم من رسالة، فهذا حق علينا وأقل ما نقدمه لهم من مساواة وعدل وإثبات لوجودهم بجدارة على الأرض ليعيشوا فيها كبقية البشر، فالمعاق هو من يشرف الوسام وليس الوسام من يشرفه، لنعلم نحن إن تمعنا بعالمهم سنجد بحرا من الطموحات والأماني السامية، ولنحرص أن نكون أول من يبحر في عالمهم الذي صنع منهم قادة في مجالاتهم كعمار بوقس، ومهند أبودية، ومحمد توفيق بلو، وآخرين من هؤلاء المتميزين في مجالاتهم، وسنرى المزيد والمزيد إن شاء الله.