لستُ نزيها ولن أدعي أبدا أنني سأكون (علي الصدِّيق) لو أن الله كتب لمسارات حياتي أن أدخل عالم (إدارة الإدارة) أو أنه عز وجل في علاه اختار لي وظيفة (للقرار والتوقيع) مثل مليون موظف حكومي يدخلون مكاتب المال العام ما بين الثامنة والتاسعة. وسبق لي في مرات من قبل أن اعترفت على رؤوس القراء الكرام أنني (مشروع جاهز للانحراف) ولكن لطف الله وقدره اختار لي أن أكون مثل مئات مشاريعنا التنموية: مجرد مشروع ورقي بصور مذهلة على برنامج (power point) ولكنها ضلت طريقها إلى أرض الواقع. تماما أنا لا أشبه إلا آخر مشروع ورقي وقفت عليه: حديقة هائلة لأمانة هذه المدينة بجوار المطار وفي منتصف التنفيذ قرروا تحويلها إلى طريق عام، وفي المخطط الجهنمي أن يأكل هذا الشارع المقترح (على الورق) مبنى هذه (الصحيفة) بالحجة الظاهرة في تعديل مسار طريق المطار، وبالباطن، لأن الإخوة في أمانة المنطقة مؤمنون تماما بأن (الوطن) معقل فساد فكري وثقافي، وسبحانه عز وجل الذي جعل هذه المقاربة بين ما يحدث في مبنى الأمانة ومبنى الصحيفة. وعلى الأقل، مررت الأمس، بسبع حدائق في جنبات هذه المدينة وقد أصبحت أطلالا ورسما تلوح مثل (الوشم في ظاهر اليد) بفضل جرافات الأمانة، ومن المضحك المبكي في آن واحد أن أهل هذه المدينة صامتون عن هذا العبث الممنهج وعن هذا التدبير المبرمج لمعالم مدينتهم تحت خيالات (أمانة) لا فرق لديها بين طبيعة (أبها) أو انبساط (شرورة). خرجت من جولتي بالأمس (مريضا) لأن الإخوة الكرام الكبار في وزارة الشؤون البلدية والقروية لا يعلمون أنهم قد أرسلوا إلينا (أمينا) قد يأتيه التقاعد بعد عام أو عامين دون أن يعلموا أن (مندوبهم) إلينا قد أحال مدينتي إلى (التقاعد) وإلى الأبد عن جمالها وطبيعتها تحت مسمى كاذب اسمه المشاريع والتنمية، تمنيت لو أن الإخوة الكبار في الوزارة قد أعطوا سعادة الأمين ما شاء لهم وله من التمديد والفترات الإدارية لشرط أن لا يعطوه موافقة على مشروع تدميري جديد لما تبقى من الأشجار والأحجار والمعالم والحدائق. هو بالضبط مثل طبيبي القديم الذي شكوت له تساقط الشعر فأرسلني إلى (حلاق) ليقضي على (الصفر) بقايا الجذلة.