صمت مطبق، حالة طالما مر بها زوجي، كحالة الصقيع التي تلزم العديد من الأسر المكوث في بيوتها مكتئبة، وكان من نتيجتها اختصاره للأحاديث التي نناقشها في بضع كلمات، أو لربما زاد في الاختصار بإجابته بخيارين فقط .."الإثبات" أو"النفي"، أو "افعلي ما ترينه مناسبا".
هذا الكلام لـ"أم غازي" التي تصف به ما وصلت إليه علاقتها بزوجها من روتين وموات، ولكنها اكتشفت فجأة أمرا غريبا.
تقول "اكتشفت وعن طريق الصدفة من إحدى زميلاتي أن هناك شخصية مختلفة لزوجي، فقد أخبرتني أن زوجها يصف زوجي وهو زميله في العمل بالشخص المثقف، وأن أحاديثه لا تنقطع، ففي كل يوم يأتيهم بالمفيد سواء من مخزونه الثقافي أم من الحكايات والقصص التي توارثها من أبيه وجده".
تقول أم غازي "عندما سمعت ذلك الكلام من زميلتي شعرت وكأنني في حالة صدمة، فقد حاولت كثيرا إخراج زوجي من صمته المهيمن، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل".
هذه الحالة نشاهدها في العديد من الأسر، حيث تكون للزوج علاقات هائلة مع أصدقائه، وأحاديثه لا تنقطع مع من يحيطون به خارج أسوار المنزل، ولكن داخل المنزل العكس، يغردون في الخارج، وفي الداخل لا مجال إلا الصمت.
تقول اختصاصية الإرشاد النفسي مريم العنزي إن "بعض الأزواج يفضل أن يغرد خارج البيت ويصمت فيه، وهذا وبلا شك سيؤثر على نفسية الزوجة في حال اكتشفت أن شخصية زوجها في المنزل مختلفة عن شخصيته خارجه، وستبدأ عندها بالأسئلة التي تنبع من داخلها، وأهمها.. لماذا يتحدث خارجا وفي البيت يصمت، وقد يقودها هذا التفكير إلى الوقوع في كم هائل من التبعات النفسية".
وتابعت العنزي قائلة: "حتى نكون منصفين يجب معرفة السبب الذي يدعو الزوج لهذا التصرف فيفضل الحديث خارج المنزل، بينما يبقى صامتا في مكان أحوج من غيره إلى أحاديثه؟".
وأضافت أن "إساءة تفسير وظيفة الكلام بين الطرفين سبب مباشر لصمت الرجال داخل جدران منزل الزوجية، وهذا وبلاشك في النهاية سيؤدي إلى قطع قنوات الاتصال بين الزوجين، ليلجؤوا بعد ذلك إلى الصمت كطوق نجاة من الانزلاق إلى المشاكل". وعن حالة الزوجة والأبناء النفسية، تقول "مما لاشك فيه سيؤثر ذلك الخرس الزوجي على الحالة النفسية للزوجة، فينعدم التواصل بينها وبين الزوج، خاصة في حال اكتشافها التناقض بين شخصيته داخل المنزل وبين شخصيته خارجه، وأن زوجها يتحدث كثيرا خارج المنزل، بالتالي تقع الزوجة فريسة سهلة للضغوط النفسية، وسيؤثر هذا بشكل أو بآخر على سلامة الأبناء وراحتهم النفسية خاصة المراهقين منهم".
وترى مشرفة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بالجوف حورية الجديع أن "انعدام الحوار بين الزوجين أو "الخرس الزوجي"، يتسبب في ضعف التواصل، ويمهد لاحقا لتأجيج فتيل المشاكل الزوجية، ومن ثم فتور المشاعر، مرورا بفقدان الاهتمامات المشتركة، ووصولا إلى المرحلة الحرجة، وهي ما نسميها بالطلاق العاطفي". وأضافت أن "غياب عنصر التواصل بين الزوجين يخمد فتيل التعاطف مع الطرف الآخر، ويجعل وتيرة الحياة الزوجية باهتة ومتأزمة، وقابلة للانفجار".
وأشارت الجديع إلى أن "الحوار من أكثر المواضيع بحثا، نظرا لأهميته في عملية الاتصال والتواصل، ونجاح العلاقات الإنسانية، ويعتبر انعدام الحوار بين الزوجين من الأسباب الأولى المباشرة المؤدية إلى الطلاق".
وأكدت الجديع أن "الحوار بالنسبة للمرأة حاجة ضرورية، وهو من ضمن حاجاتها النفسية، فإن لم تشبعها يحدث لديها اضطراب، ومن ثم تلجأ إلى تصريف هذه الحاجة من خلال إقامة العلاقات الاجتماعية، والمشاركة في جلسات حوارية مختلفة خارج المنزل، وعلى الرغم من أن تلك الجلسات خارج المنزل تشبع بعضا من رغباتها وحاجاتها الاجتماعية، إلا أن الزوجة لا يمكن أن تشعر بقيمتها الذاتية إلا من خلال إشباع حاجة الحوار لديها مع شريك حياتها وهو الزوج".
وقالت "إن كان الزوج من النوع الذي لا يحاور زوجته، أو لا ينصت لحديثها، فإنها ستفسر ذلك بعدم أهميتها في حياته، وبالتالي هذا يؤثر على نفسية الزوجة، فتظهر ردات فعل متوترة تجاه الزوج".
وعن التصرف المناسب إذا كان الزوج يجهل أساليب الحوار مع زوجته أو العكس، قالت الجديع "وسائل كثيرة نستطيع من خلالها تعلم الحوار، وتنمية مهارات الاتصال مع الآخر، ومنها حضور الدورات التدريبية الخاصة بالحوار، وقراءة كتب مختصة بذلك، وحضور الحلقات الحوارية، والأهم من ذلك كله الممارسة السليمة".