في سبتمبر 2011، في الوقت الذي ألقى فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونجح في إقناع الدول بقبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، كانت فصائل رئيسية بين القيادات الفلسطينية تناقش مسألة المطالبة رسميا بإعفاء رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من مهمته كـ"مبعوث" للرباعية في الشرق الأوسط. الآن، بعد عامين من محاولات بلير تدمير التوجه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، جعل وزير الخارجية الأميركي توني بلير يمثل "الأمل" لفلسطين من خلال إعطاء وعد بأن بلير سوف يوفر حوالي 4 مليارات دولار من الاستثمارات في القطاع الخاص في فلسطين.

خلال خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في الأسبوع الماضي، قال كيري: "لقد طلبت من ممثل الرباعية توني بلير وعدة قادة في مجال الأعمال أن يعملوا معا. ورئيس الوزراء بلير يقوم بصياغة ما أعتقد أنه قد يكون خطة رائدة لتطوير اقتصاد فلسطيني صحي، مستدام، يقوده القطاع الخاص، والتي سوف تغير حظوظ مستقبل الدولة الفلسطينية، وكذلك ستغير الاحتمالات للأردن وإسرائيل.. الحقيقة هي أننا نتطلع إلى تعبئة حوالي 4 مليارات دولار من الاستثمارات".

استثمار 4 مليارات دولار؟ لا، ليس هذا ما قاله كيري. هو قال "نتطلع إلى تعبئة" حوالي 4 مليارات دولار. وهناك فارق كبير.

يقال غالبا إن "رائحة المال" لها قوة أكبر في إفساد الناس من إعطاء المال. الأحلام التي تولدها الوعود الفارغة أكثر قوة من الواقع بأن المال يأتي ببطء إذا جاء أساسا.

توني بلير هو نذير الحرب الدائمة، وفي رأيي فإنه أكبر مخرب في الغرب للحقوق الفلسطينية والشرق الأوسط كله، وهم في الرباعية –روسيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة- يعرفون ذلك. لقد وصِف بلير بحق بأنه "محامي دفاع" الإسرائيليين، وخاصة لصديقه العزيز جدا بنيامين نتنياهو، وهو متهم بأنه يستغل منصبه كـ"موفد" للرباعية ليحقق ثروة شخصية في الشرق الأوسط.

دعونا نراجع بعض ملاحظات الفلسطينيين مؤخرا عن توني بلير.

في 6 سبتمبر 2006 حتى تعيينه من قبل صديق نتنياهو الحميم جورج دبليو بوش ليكون مبعوث الرباعية كان الفلسطينيون يلعنون بلير. في بيان سياسي نشرته صحيفة الأيام الفلسطينية في 6 سبتمبر، 2006، وقع مئات الفلسطينيين من الأكاديميين وقادة المجتمع المدني وقادة أحزاب سياسية صغيرة والناشطين السياسيين على إعلان يقول إن بلير غير مرحب به، خاصة بسبب تأييده لهجوم إسرائيل على لبنان في 2006.

بعد خمس سنوات، في 2011، قال نبيل شعث إن بلير كان "يردد تماما ما يريده الإسرائيليون"، وإنه كان يعمل وكأنه "محامي الدفاع" للإسرائيليين في نقاشات الرباعية قبل خطاب عباس حول الدولة الفلسطينية في سبتمبر 2011.

عدم الثقة بتوني بلير سلطت الضوء عليه صحيفة التلغراف اللندنية في سبتمبر، 2011 عندما ذكرت أن مسؤولا فلسطينيا صرح للصحيفة بأنه "لا يوجد شخص في القيادة الفلسطينية يؤيد أو يحب أو يثق بتوني بلير"، خاصة بسبب الدور الهدام الذي لعبه خلال محاولة الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

في أكتوبر، 2011، كتب علي أبو نعمة، مؤسس موقع "الانتفاضة الإلكترونية" في الولايات المتحدة، أن بلير لا يقوم فقط بجمع ثروة شخصية لنفسه ولزبائنه، لكنه يساعد أيضا الاستعمار والاستغلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة تحت ستار "مساعدة الفلسطينيين" الكاذب. وكتب أبو نعمة أن بلير تفاوض على صفقات بمليارات الدولارات مع إسرائيل ودول أخرى شرق أوسطية، وكان يتاجر بموقعه كمبعوث للرباعية. بالنسبة لقضية الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لقطاع غزة، قام بلير بالتوسط في اتفاق بين إسرائيل وشركة "بريتيش جاز" دون استشارة الفلسطينيين في غزة.

لكن التهمة الأسوأ التي يمكن توجيهها إلى توني بلير تأتي من كلماته وأفعاله هو. عندما شنت إسرائيل عملية الإبادة الجماعية "عملية الرصاص المصبوب" ضد قطاع غزة، كان توني بلير في إجازة. الناس الذين قتلهم الإسرائيليون في غزة كانوا في معظمهم من المدنيين، بمن في ذلك الأطفال، ومع ذلك دافع بلير عن حق الإسرائيليين في "الدفاع عن النفس" كما يفعل دائما، مع أن إسرائيل كان لديها وسائل أكثر من كافية غير الحرب على المدنيين للرد على الصواريخ التي كانت تطلق بين الحين والآخر من بعض المواقع داخل غزة.

بعد عملية "الرصاص المصبوب" بفترة قصيرة، وبينما كان الفلسطينيون لا يزالون ينعون أطفالهم الذين قتلوا في الحرب، استلم بلير "جائزة دان دايفيد" من جامعة تل أبيب لتميزه في مجال القيادة. الجائزة قيمتها مليون دولار.

(بروكنسول) هو اسم حاكم لمنطقة مهزومة عينته الإمبراطورية الرومانية. تعيين باراك أوباما وجون كيري لتوني بلير مسؤولا عن المستقبل الاقتصادي لفلسطين يجعل النخبة في لندن وتل أبيب وواشنطن يهزون على أكتاف بعضهم بعضا وهم يضحكون بسخرية.

لا شك أن فلسطين بحاجة ماسة للاستثمارات الاقتصادية. لكن ليست هناك حاجة لأمثال توني بلير وجون كيري وباراك أوباما.