الحوار الاجتماعي هو مطلب العقلاء في المجتمعات النامية. ومبادرة الملك عبدالله في إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تعتبر من أحد أهم الإنجازات العديدة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين خلال فترة حكمه. والحوار بين أطياف المجتمع بمختلف تخصصاتهم ومذاهبهم ومستوياتهم العلمية ومختلف ثفافاتهم ومناطقهم يؤكد بأن الرأي المشورة ولا استبعاد ولا تجاهل لآراء الطرف الآخر. وإن أثبت الحوار نجاحه بين أطياف المجتمع في الفترة الماضية حول بعض القضايا الوطنية إلا أن الحوار الذي نتطلع له في المرحلة القادمة هو بين صناع القرار في الحكومة السعودية وبين الفئات المعنية بالقرار من أبناء المجتمع. ورغم أن هذا النوع من الحوار يرى فيه بعض من كبار المسؤولين تدخلا في صلاحياتهم وفي مسؤولياتهم وعلى المعنيين بالقرار تنفيذ القرار فقط وينبغي ألا يكون لهم رأي في صناعة القرار وهذا هو الفكر السائد في الماضي لدى بعض كبار المسؤولين وهو فكر عقيم قديم دكتاتوري التوجه لا يؤمن إلا بالرأي الواحد ويحارب سياسة الإدارة بالتشاور أو الإدارة الجماعية وهو فكر قد انتهى زمانه، فالعصر الحديث ليس كالعصر السابق وثقافة البشر قد تطورت وأصبحت لا تتقبل هذا الفكر وأحمد الله أن قيادتنا قد أخذت المبادرة وأصبحت لدينا الخبرة والمهنية الاحترافية في إعداد مؤتمرات وندوات ولقاءات وجلسات الحوار ومنها تجربة الحوار الاجتماعي الثاني بين أطراف الإنتاج العمال وأصحاب العمل والحكومة ممثلة في وزارة العمل لمناقشة موضوع استراتيجيات الأجور في المملكة وذلك للوصول إلى إجماع لوضع الحد الأدنى للأجور للعمال في القطاع الخاص والذي تبنته مشكورة وزارة العمل في الأسبوع الماضي قبل أن تصدر قرارا جديدا لتحديد الحد الأدنى للأجور دون استشارة أطراف الإنتاج. مبادرة متميزة وخطوة في طريق تصحيح مسار اتخاذ القرارات الحكومية المعنية بالمواطنين رجال الأعمال أو عامة الناس وأجزم بأن هذه التجربة سوف يكون لها أثر إيجابي في صنع القرار بالتشاور والالتزام بتطبيقه من قبل أطراف الإنتاج وأتمنى أن تقتدي بعض الوزارات والوزراء بهذه الخطوة في إجراء حوار اجتماعي مع فئات المجتمع المعنية ببعض القرارات التنظيمية وعلى القائمين على إعداد القرارات الوزارية الاستماع إلى وجهات النظر من الفئات المعنية بالتطبيق وقد يستفاد من بعض الآراء والمقترحات وقد تظهر بعض الثغرات في بعض مشاريع اللوائح والأنظمة والقوانين وقد يكون من الأجدى على وزارة التخطيط أن تعقد جلسات حوار اجتماعي متخصص لبعض الخطط الفرعية في الخطة الخمسية وقد يكون من المناسب لوزارة التربية والتعليم أن تأخذ رأي المدارس الحكومية والأهلية في بعض الأنظمة واللوائح المنظمة لعملهم بالإضافة إلى رأي الطلبة في مختلف المراحل في بعض المقررات والجداول والتجهيزات في المدارس كما هو من الأجدى أن يشارك أولياء الأمور في إبداء آرائهم ومقترحاتهم. وكذلك قد يكون من الواجب من أمناء المدن أن يعدوا حوارا متخصصا مع كل فئة من فئات المجتمع أفرادا وأصحاب مهن ورجال أعمال وتجارا للتعرف على معاناتهم في التعامل مع الأمانات في خدمة من الخدمات المقدمة من الأمانات. ومن الواجب على مديري الجامعات أن يعقدوا جلسات حوار مباشر مستمرة مع طلبة وطالبات الجامعات للتعرف على مرئياتهم تجاه السياسات والخطط الجامعية المتبعة وينطبق هذا على معظم الوزارات والمؤسسات الخدمية.

إن مطلبي اليوم ليس بالمستحيل تحقيقه ولكن الصعوبة فيه هو كيف نقنع بعض القادة الإداريين لفتح باب الحوار قبل إصدار أي قرار أو لائحة أو نظام عمل جديد. ورغم أنهم تعودوا على مبدأ (على المسؤول أن يأمر وعلى المعنيين بالأمر التنفيذ فقط) إلا أنهم نسوا أننا نعيش في عصر جديد عصر التقنية وعصر الإنترنت عصر المواقع الإلكترونية وعصر الحوار الإلكتروني الذي حقق لأصحابه وكتابه ورواده وقرائه الحرية والديموقراطية ومنحهم حق إبداء الرأي وحق الاعتراض وحق النقد حتى لو جند بعض كبار المسؤولين الحكوميين الخبراء للرد على منتقديهم في المواقع الإلكترونية.

إن من أنجح جلسات الحوار الاجتماعي في بلادنا هي التي يقوم بها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة كل أسبوع في منزله، حيث خصص بعضها مع المشايخ والعلماء، والبعض الآخر مع رجال الإعلام والأدب، والأخرى مع رجال الأعمال والتجار، وخصص بعض جلساته مع بقية أبناء المجتمع ومنهم الشباب.

حوار أسبوعي على مدار العام تطرح فيه العديد من الآراء والمقترحات التي تعنى ببعض القضايا المهمة في المنطقة.

كما أن مبادرة الشيخ صالح كامل رئيس غرفة جدة من خلال (مقعد التجار) في الغرفة هو حوار اجتماعي منتظم، وتدخل مبادرة بعض الغرف الأخرى في نفس السياق.

فهل تجد مقالتي اليوم اهتماما من إخواني الوزراء لتبني برامج الحوار الاجتماعي بين وزاراتهم والمتعاملين معها في مختلف القطاعات وهل بالإمكان أن نزيل حاجز الخوف المتبادل وحاجز الخوف من الإعلام بمختلف وسائله بما فيها الإلكترونية ولاسيما أن أصل العلاقة بين المسؤول والمواطن لا تقوم ولا تبنى على حواجز الخوف وإنما تبنى على مبادئ الاحترام والتقدير من الطرفين بصرف النظر عن موقعه وإن لم نفعل برامج الحوار الاجتماعي أخشى أن تواجه بعض القرارات الرفض أو التقاعس في تنفيذها أو تعطيل عجلة تنفيذها.