من الحقائق المؤلمة التي للأسف لا نهتم بها كثيرا وجود حالة مستمرة ومتواصلة من الهدر الواضح والكبير في الطاقة، نعرف جميعا أنه يتزايد ويتحول إلى جزء أصيل من عاداتنا اليومية الاستهلاكية التي تتحول بشكل تقليدي إلى الإحساس أن ما نمارسه من هدر هو تصرف طبيعي وضمن النطاق المناسب والمعقول.
وهذا بالطبع سيخلق نتيجة غير منطقية، وغير متوقعة لهذا التعود، فبدل أن تتضافر الجهود من أجل الخروج من المأزق الكبير، سنجد أنه مع مرور الوقت تتشكل ما يشبه المناعة ضد أي عمل أو مجهود يسعى إلى الخروج من هذه (المصيبة الثقيلة) والمستعصية التي نعرف يقينا أنها وحش قاتل سيبتلع أجيالنا المقبلة وسيجعل أبناءنا في ظل مستقبل قاس أكثر صعوبة من لو أننا حافظنا على الطاقة التي وهبنا الله إياها بالاستخدام الرشيد، لقد حرصت أن أدرس ولو بشكل بسيط وغير معمق نموذجا عالميا وأقارنه بما يحدث في بلادنا، وللحق أن الأرقام التي سأذكرها كفيلة بأن تجعلنا نقف ونتأمل ما نحن عليه الآن.. فبلد مثل البرازيل متصاعد النمو بشكل كبير ويبلغ عدد سكانه 200 مليون نسمة، ومساحته 8.5 ملايين كيلو متر مربع يستهلك هذا البلد فقط ما مقداره 2.5 مليون برميل بترول يوميا، وهو من الدول الأسرع نموا في العالم، والنمو بالتأكيد يعني استخدام أعلى للطاقة، بينما بلادنا والتي يبلغ عدد سكانها 28 مليون نسمة ومساحتها 2.24 مليون كيلومتر مربع تستهلك ما مقداره أربعة ملايين برميل يوميا في هدر واضح للطاقة يتجاوز الـ40% من معدل الاحتياج، وفي ظل غياب خطة توعوية إعلامية محددة وواضحة للخمس سنوات المقبلة تستثمر جميع أنواع الوسائل الإعلامية ومخرجاتها ضمن استراتيجية تنفيذية على الأرض تصل لمختلف الشرائح حسب اهتماماتهم وميولهم وأعمارهم لتصنع هذه الحملة التوعوية ثقافة مجتمعية تؤمن بترشيد الطاقة وتنبذ المهدر وتحاسبه، وهذا بالتأكيد يستوجب تكوين فريق عمل واقعي تنفيذي يؤسس خطة على الأرض بمحاور أساسية يتم وضعها والعمل عليها بالتوازي وفي كل الاتجاهات الحاضنة لشرائح المجتمع.
لن ننكر أن هناك جهودا توعوية تبذل، لكنها محدودة جدا لا تتناسب مع حجم المشكلة وآثارها السلبية، مما يبقي الصورة قاتمة، ويبقى السؤال مطروحا إلى متى سيستمر هذا الهدر؟
إن استخدام مختلف الوسائل أمر مهم يساعد كثيرا ولكن استخدام علم السيكودراما في مخاطبة العقل الباطني للمستهدفين هو ربما الوسيلة الأكثر تأثيرا في تغيير ثقافات الناس إيجابيا وتعتبر عالميا من أهم العناصر ذات النجاح الكبير في إيصال رسائل مؤثرة اجتماعيا وستكون عاملا مفصليا في ترشيد الطاقة حفاظا على مستقبل مشرق وآمن تستحقه أجيالنا المقبلة، ولعلها مناسبة مميزة أن نتذكر فيها أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله – أعلن خلال استقباله الملحق التعليمي ومجموعة من الطلبة المبتعثين للدراسات العليا في جامعات العاصمة الأميركية في يوليو 2010 أنه أمر بوقف التنقيب عن البترول لحفظه من أجل الأجيال المقبلة قائلاً: «خلوا خزائن الأرض فيها لأبنائنا وأبناء أبنائنا وهذا بالتالي يعكس أهمية المحافظة على الأسباب التي تساند مستقبل أجيالنا وتحافظ على عمر أطول للطاقة.