احتفى مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم 25 مايو 2013، بذكرى مرور 32 عاما على قيامه، برعاية سمو أمير منطقة الرياض، وقد اعتادت الأمانة العامة الاحتفاء كل عام بهذه المناسبة العزيزة لدى كل مواطن خليجي والتي تذكره بمجلسه الموقر الذي شب عن الطوق وبلغ أشده، حيث اقترب من أربعينية التأسيس، واعتزاز الخليجيين بهذه المنظومة الخليجية المهمة وما يعقدونه عليها من آمال وطموحات إنما ينطلق من الإيمان المطلق بأهداف المجلس التي نصت عليها المادة الرابعة من نظامه الأساسي، والمتمثلة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني، وإنشاء مراكز بحوث علمية..إلخ. وإذا ما نظرنا إلى ما حققه المجلس من إنجازات، خاصة على الصعيد السياسي فإننا نجد أهمها التوجه القائم حالياً بتحويل المجلس من تعاون إلى اتحاد، وتلك خطوة هامة وجوهرية في ظل الظروف المحيطة بدول المجلس رغم ما يصطدم به هذا الهدف من معوقات، لكنه مسعى كبير بادرت بتقديم فكرته المملكة في العام الماضي 2012.

ولعل ما يجدر ذكره هنا ما تحدث به جلالة عاهل مملكة البحرين خلال استقباله وزراء الشباب والرياضة بدول المجلس من حرص إخوانه أصحاب الجلالة والسمو أعضاء المجلس الأعلى لمجلس التعاون على أن يمضي المجلس قدماً في تحقيق أهدافه، وأن تحويل المجلس إلى اتحاد هو أهم الأهداف الاستراتيجية حاليا. واستشهد ملك البحرين بما كان عليه الحال في دول الخليج قبل عدة عقود من وحدة وتجانس ورباط وثيق، إذ لا حواجز بين شعوبه ودوله، وهذا ما يسعى المجلس حالياً إلى تعزيزه تحقيقاً لآمال أبناء دوله.. وهنا أجد من المناسب التذكير بما صرح به معالي الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني يوم الاحتفاء المشار إليه ونشر تصريحه في هذه الصحيفة، إذ أكد أن التأني هو الخيار الأنسب قبل الوصول إلى إقرار مشروع الاتحاد في اجتماع سيعقد في العاصمة السعودية، ونفى الزياني وجود أي عقد تعترض تفاصيل مشروع الاتحاد الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين، وأضاف أن هذه المبادرة هي تطلع القادة والجميع، والتشاور حولها مستمر.. ذلكم كله في الشأن السياسي، فماذا عن الشؤون الأخرى؟ الحقيقة أن المواطن الخليجي يتطلع إلى تحقيق المزيد مما يمس حياته اقتصادياً واجتماعياً، وأيضاً تفعيل وتعزيز الجوانب الأخرى غير السياسية كالثقافية والإبداعية والعلمية والتقنية، ولعلي هنا أجد من المناسب أن أتطرق إلى ما أراه يمثل بعض الأسباب في عدم تسارع وتيرة العمل الخليجي؛ فمنها قلة التفاعل مع القرارات التي تصدرها المجالس الوزارية المختلفة والتي نجدها تتكرر في كل اجتماع وزاري، أو اجتماعات اللجان المنبثقة عنها، أو أن المتابعة من الجهات ذات العلاقة بالمجلس ليست بتلك الدرجة من الاهتمام، مما جعل بعض تلك القرارات تدخل في دهاليز الرتابة والروتين.. وثمة أمر هام في هذا الصدد وهو هيكلية المجلس والأمانة العامة والأمناء العامين المساعدين والإدارات المركزية، هل تراها تواكب الطموح طيلة هذه السنين من عمر المجلس؟ وهل طرأ جديد على تلك الهيكلية؟ الذي ألاحظه -وأرجو أن أكون مخطئاً- أن الهياكل هي هي، لم يطرأ عليها تغيير يذكر حسبما تتطلبه المرحلة الحالية، فبعض الأمناء العامين المساعدين يشرفون على عشرة قطاعات، فما القدرة الذهنية والوقت والجهد التي تسمح بالإشراف على تلك القطاعات الهامة والحساسة للمواطن الخليجي؟ وحتى المناصب على سبيل المثال لا يتم التغيير والتجديد فيها إلا بتلك التي نص النظام على تدويرها بين دول المجلس.

إن المجلس منظومة مرنة لها حرية التعديل والتبديل في هيكلها، وهي صلاحيات كفلها النظام لمعالي الأمين العام الذي لا تزيد مدة بقائه شخصيا في منصبه أكثر من دورتين، بحسب النظام الأساسي، مدة كل منهما ثلاث سنوات. وما دام هذا الأمر يخص رأس هرم الأمانة العامة فما بالك بالمناصب الأدنى التي تحتاج ديناميكية وتجديد دماء، وفكرا جديدا متنوعا. ومعروف أن معالي الأمين العام الحالي الدكتور الزياني رجل انضباطي ودقيق وحريص على إحداث نقلة داخل أروقة المجلس، وبهذه المناسبة لديّ مثالان على ما ذكرت: المثال الأول رفض وزراء المالية بدول المجلس إنشاء صندوق لتمويل برامج الشباب، وهو الصندوق الذي قرر وزراء الشباب بدول المجلس إنشاءه لدعم وتعزيز الترابط الشبابي بين شباب دول المجلس.. بل وتم إعداد لائحته وهيكله الإداري والمالي, والغريب أنه اتضح لاحقاً أن أنظمة المجلس، كما أفتت بذلك الإدارة القانونية، لا تسمح بإنشاء صناديق! فما دام الأمر كذلك أين القطاع المعني من ذلك؟ ولماذا لم يوضح الأمر لوزراء الشباب كي يبحثوا عن الحلول البديلة؟ والمثال الثاني يعني المواطن العادي بشكل أكبر، إذ إن مواطناً سعودياً ذهب إلى أحد البنوك في إحدى دول المجلس بقصد فتح حساب جار عادي، فهل تصدقون أن طلبه رفض بحجة عدم إقامته في ذلك البلد الشقيق! ولو كان المتقدم بهذا الطلب غير خليجي لتحققت رغبته في الحال باعتباره مقيما! فهل تريد تلك الدولة الشقيقة أن يترك المواطن الخليجي بلده ليقيم فيها حتى تحقق رغبته؟ وللعلم فإن المملكة تسمح بمعاملة المواطن الخليجي معاملة المواطن السعودي في كل شيء، وهذا أمر سار ومبهج. فهل تطبق المملكه أنظمة لا يطبقها الآخرون؟ بل لماذا يتفاوت تنفيذ القرارات من بلد خليجي إلى آخر؟ وثمة أمور أخرى مثل التنقلات والتملك، بل وحتى إصدار شريحة هاتف متنقل مفوترة لا تصدر للخليجي إذا كان غير مقيم.

وبالمناسبة وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد أعلن اتحاد كرة القدم بدولة الإمارات تغيير مسمى الدوري لديهم ليصبح (دوري الخليج العربي للمحترفين) وهذه إشارة ذكية لها مغزاها وجاءت من إحدى دول المجلس ولم تأت من الأمانة العامة للمجلس! ويأتي هذا التغيير كما يقول الإعلان وفاء لتاريخ المنطقة الخليجية وتقديراً لهذا المسمى وقيمه ومكانته بين الشعوب المنتمية له.. وختاماً فإن المواطن الخليجي يستشرف ويتطلع إلى الكثير من مجلس التعاون لأنه - أي المواطن - هو الهدف الذي أنشىء من أجله المجلس.