كان تحويل الإذاعة والتلفزيون في المملكة إلى هيئة عامة حلماً يراود كل المهتمين بالشأن الإعلامي. ومنذ صدور قرار مجلس الوزراء الموقر قبل عدة سنوات بالموافقة على تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة، طبقاً للنظام الذي أعده مجلس الشورى، وفوض القرار وزارة الثقافة والإعلام لوضع اللوائح التفصيلية للهيئة..واستمر الأمر على ما هو عليه دون أن يفعل القرار، حتى جاء وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز خوجة ليتابع بخطوات تنفيذية القرار المهم، ويتم رفع لائحة الهيئة لتكون هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية، ومستقلة مالياً وإدارياً عن الوزارة، ومعها لائحتا هيئتي الإعلام المرئي ووكالة الأنباء السعودية، حيث صدرت قرارات مجلس الوزراء قبل عام بتفاصيل لوائح الهيئات الجديدة.

وما من شك أن تلكم خطوة متقدمة لتطوير وسائل الإعلام في المملكة، خاصة هيئة الإذاعة والتلفزيون التي طال انتظار تطويرها ونقلها إلى آفاق أرحب وأوسع، وديناميكية عمل أفضل بعيداً عن الرتابة والروتين والنمطية التي استمرت عليها، حسبما صرح به معالي الأستاذ عبدالرحمن الهزاع، رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، الذي صدر قرار مجلس الوزراء قبل بضعة أشهر بتعيينه رئيساٌ للهيئة، باختيار وترشيح من معالي الوزير رئيس مجلس الإدارة. والأستاذ الهزاع من الكفاءات الإعلامية المميزة في المملكة، وخاصة التلفزيون. فهو ابن التلفزيون، وذو خبرة عريضة، عمل وكيلاً لعدد من وكالات الوزارة وأجهزتها.. وأستشهد بما صرح به معاليه في مقال له نشر بصحيفة الرياض: "عقود من الزمن مرت على وزارة الإعلام في المملكة، وهي تسير على نمط واحد، وقد أدى ذلك إلى ضعف الأداء، وعجزه عن مسايرة الطفرة الحالية".. قول مهم من المسؤول الأول عن هيئة الإذاعة والتلفزيون، والذي عندما يقول ذلك فهو يدرك حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه في التطوير والتغيير وإحداث نقلة إدارية وفنية وبرامجية، وهي الأهم.. يتطلع إليها المشاهد والمستمع. إن العمل على ذلك يحتاج جهداً خارقاً من الهيئة في إعادة هيكلة هذين الجهازين الحساسين اللذين يعدان مرآة المملكة وصورتها في الداخل والخارج، من جميع النواحي البشرية والفنية. وقد بدأت الهيئة فعلاً العمل في خطوات التطوير، حيث أكدت أنها تتجه لوضع معايير شديدة لاختيار العاملين فيها، وأنها تدرك أهمية التدريب وإعادة التأهيل للكوادر القائمة بالعمل حالياً أو لأغلبها، بما يعيد الثقة للمشاهد والمستمع بقنواته التلفزيونية والإذاعية، ثم التأسيس للمنافسة الحقيقية مع القنوات الأخرى. إن عملية التطوير تتم من خلال عدة جبهات، وهو عمل كبير ومضن، فمن حيث دعم الهيئة مالياً ووظيفياً تحتاج إلى مساندة وزارة المالية، لأن هذه الخطوة أساسية في إعادة البناء وأظنها - أي المالية - كما أوضح معالي رئيس الهيئة كانت إيجابية إلى حد كبير في تحقيق متطلبات الهيئة، خاصة إذا ما علمنا أن القوة الوظيفية للعاملين في كافة أجهزة الهيئة الإدارية والبرامجية والفنية والهندسية تصل إلى 6000 موظف، وهو رقم كبير يضاف إليه ما ستضمه الهيئة من كوادر ودماء جديدة للعمل في المجالات الإذاعية والتلفزيونية والهندسية.

قد يتصور البعض غير المتخصص أن استقطاب وإعداد ثم تأهيل الكوادر الإذاعية والتلفزيونية أمر ميسر أو سهل، لكن الحقيقة أن ذلك يحتاج جهداً كبيرا وغير عادي، من خلال البحث عن المواهب والتنسيق مع الجامعات والكليات ذات العلاقة.. ويأتي تأهيل الكوادر في أولويات الهيئة حتى يمكن تقديم عمل برامجي مميز، وهو أمر طبيعي. وقد شرعت مؤخراً في تنفيذ برنامج متخصص لتأهيل وتطوير أداء المذيعين. وقد أعود في مقال قادم للحديث عن المعايير الأساسية لقبول المذيعين وإخوانهم المعلقين الرياضيين، باعتبار كل أولئك واجهة العمل التلفزيوني والإذاعي والرياضي أيضاً. أعود للحديث عن الهيئة، التي ينتظرها عمل كبير في تطوير القنوات كافة، وخاصة القنوات العامة والشاملة، وعلى رأسها القناة الأولى واجهة التلفزيون، والتي بدأ يلحظ المشاهد بعض التغيير بها، لكن الذي علمته أن هناك نقلة كبيرة بعد شهر رمضان المبارك، وتبدأ تحديداً مع الاحتفاء باليوم الوطني، وهذا يعطينا الأمل الكبير بالتطوير المنشود، شكلاً ومضموناً، أداء وعطاء، إخبارياً وبرامجياً، وذلك حتى تستعيد هذه القناة العريقة جمهورها العريض، سواء داخل المملكة أو خارجها، وكذا الحال بالنسبة للقناة الإخبارية التي نلمس فيها جهداً، لكنها تحتاج هي الأخرى تطويراً يجعلها تنافس، ولو بقدر معقول القنوات الإخبارية العربية الأخرى. أما القناة الثانية فلا أحد يعلم إلى متى ستظل بهذه الرتابة، ومن هو المتلقي الذي تستهدفه، هل هو المقيم في المملكة، وخاصة الجاليات الأجنبية أم تستهدف مشاهداً خارجياً؟ الحقيقة أنها تحتاج إعادة نظر شاملة كي تؤدي رسالتها.

أما القناتان الاقتصادية والثقافية فهما قناتان متخصصتان موجهتان لقطاع عريض من المشاهدين يأملون منهما المزيد، لتغوصا في عمق الشأنين الاقتصادي والثقافي، فالمملكة محور اقتصادي عالمي مهم، كما أنها ذات إرث ثقافي عظيم. وأما القنوات الرياضية التي يقوم على شأنها زميل عزيز مؤهل له تجربته الطويلة في الإعلام التلفزيوني، هو الدكتور محمد باريان، فأعانه الله على تطوير ست قنوات رياضية ليس بينها قناة شبابية! أما ذروة سنام قنواتنا التلفزيونية فهما قناتا القرآن الكريم والسنة النبوية، وهما تاج التلفزيون، كما يقول الأستاذ حمد القاضي في مقال نشر له بهذا الشأن، ورد عليه معالي الوزير، مؤكداً الحفاظ عليهما وتعزيزهما، لما يحملانه من رسالة عظيمة لهذه البلاد الخيّرة، بلاد الحرمين الشريفين.. وأسأل الله أن يجزي معاليه خيرا على إقرار هاتين القناتين المباركتين. وإني لعلى ثقة بأن القائمين على شؤون كل هذه القنوات، وهم من أبرز الكفاءات ذات الخبرة، يستشعرون الأهمية التي تمثلها رسالة الهيئة.

وأخيرا؛ فإن المشاهد والمستمع يتطلعان قريبا إلى رؤية الآمال واقعاً ملموسًا، وإلى إعلام سعودي مشاهد ومسموع ومتميز، يتناسب مع حجم ومكانة المملكة وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي ودورها في المحافل الخليجية والعربية والدولية، ولتستمر وسائل إعلامها منابر خير تحمل مشعل المحبة من هذه الأرض الطيبة.. أما الإذاعة، وهي مدرسة الإعلام الأولى، فقمين أن يفصل الحديث عنها لأهميتها في مقال قادم.. إن شاء الله.