أحمد عبده ضعافي


إنك لتجد غرابة تلتحفك آخذة بزمام فكرك، يلتقمك حوت حيرتها الأزرق ويستودعك في قعره لابثا في بطنه إلى أجل غير مسمى.

حينما تطاردك وترمقك نظرات أولئك الإقصائيين الحارة ويلاحقك فكرهم السوداوي بريبة تغلق أبواب زنازينها حولك تغيبك خلف قضبانها الحديدية.

لا لذنب اقترفته ولا لجريمة ارتكبتها ولا حتى بخطيئة مارستها، بل لأنك أتيتهم- بما لا يروق لفكرهم وحملتهم على ما لا تطيق سماعه آذانهم ولا تشتهيه أنفسهم السقيمة - من حقائق تغاير توجهاتهم وتجانب صوابهم الذي يدينون به ويحكمون معاييره الذاتية العارية المتجردة من المنطقية والواقعية.

كونهم يرون الحق حكرًا عليهم وزيًا خاصًا بهم يرتدونه دون البشر، منتجه حصريٌ لهم وإن ارتديت زيًا غير زيهم، واعتنقت فكرًا مبنيًا على أدلة وبراهين علمية فأنت خارجي مارق عن الملة، أتيتهم بما لم تأت به الأوائل، وإن كان حظك حسنًا وانتزعك من براثن اتهاماتهم الباطلة، ولم يشككوا في عقيدتك وجدتهم يسلقونك بألسنة حداد مشككين في ذمتك معطين لأنفسهم الحق في شق الصدور وكشف المستور نازعين عنك صدقيتك في الكلمة مجردينك من أمانتك في الطرح وسموك في الغاية والمراد، معللين كتاباتك بالوصولية والتملق واللهث المكدود لجلب مصلحة ذاتية يعود ريعها عليك تبوءًا لمكانة رفيعة واعتلاءً لكرسي مرموق، عزَّ عليهم الحلم بهما ذات يوم ولو لهنيهات محدودة وخارت قواهم وملكاتهم دون حملهم على بلوغهما وتبوئهما.

أولئك الإقصائيون القاصرون دأبوا على شن حملات شعواء على مخالفيهم في الرأي والرؤى، فمن لم يكن معهم فهو ضدهم، مرخين الزمام لأقلامهم للانطلاق في تصنيف الأفراد تقريبًا أو إقصاءً، موادةً أو محادةً حسب ما يختمر في عقولهم من عفن وقصر في النظر للحقائق وإدراكها بجلاء وعته في تقييم الأحداث واستقراء للواقع المعاصر، واستشراف للمستقبل.

لذلك تجدهم يفرون من الحوار فرارهم من المجذوم، ينأون بذاتهم عن مقارعة الحجة بالحجة ودحض الفكرة بالدليل والبرهان سالكين أقصر الدروب وأسهلها عليهم بقذف الأبرياء مما هم منه براء ووصمهم بأقبح التهم وأقذع الألفاظ، ظنًا من فكرهم القاصر بأنهم قادرون على حجب شمس الحقيقة بغربال إفكهم، مجترئين على حرمات الآخرين تشكيكًا في مآربهم وتشويهًا لصورهم أمام الرأي العام، يُخيل إليهم من سخفهم وحمقهم بأنهم بذلك قادرون على الحط من مكانة الشرفاء الصادقين والحيلولة دون انتشار فكرهم المستنير والحد من قدرتهم التأثيرية على الجمهور المتلقي.

إن أولئك الإقصائيين القاصرين اعتادوا السباحة ضد التيار وأدمنوا رشف نخب المعارضة للمعارضة والمخالفة لمجرد المخالفة، سيفعلون ويفعلون وسيرتد إليهم فعلهم بالحسرة والندامة.