تحدثت في مقالي السابق عن هيئة الإذاعة والتلفزيون وما يعلق عليها من آمال وتطلعات لتطوير الأداء الإعلامي المرئي والمسموع، وقد أفضت في الحديث عن التلفزيون وقنواته المتعددة؛ ولأن الإذاعة هي مدرسة الإعلام الأولى، وهي التي كان لها قصب السبق منذ أكثر من ستين عاما حيث أسست بدايتها الأولى في مكة المكرمة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ثم تطورت شيئا فشيئا حتى أصبحت عدة إذاعات عامة ومتخصصة وبلغات مختلفة؛ أقول لأنها كذلك فتستحق تفصيلا في الحديث عنها، يلي ذلك الحديث عن المذيعين سواء كانوا في الإذاعة أو التلفزيون، أو معلقين رياضيين وتأهيلهم وإعدادهم ومعايير اختيارهم لأنهم واجهة العمل الإذاعي والتلفزيوني.

الإذاعة هي مصنع ومدرسة المذيع الحقيقي ذلك لأنها تعتمد على المذيع والمقدم والمحاور في كل برامجها وشؤونها، والأذن وحدها التي تعشقها وهي وسيلتها وليست كالتلفاز الذي يعتمد بالإضافة إلى ذلك الصورة المشاهدة التي هي أساس عمله وسر نجاحه والإذاعة كذلك الأوسع انتشارا بموجاتها القصيرة والمتوسطة وحتى الـFM وذلك بالتأكيد قبل حلول الأقمار الصناعية وانتشار القنوات الفضائية التلفزيونية التي أكلت الأخضر واليابس، وكان مستمعو الإذاعة أضعاف مشاهدي التلفاز فيما مضى باعتبار محدودية البث التلفزيوني وقتا ومساحة؛ لذلك كانت الإذاعة تستقطب ملايين المستمعين ولها متابعوها الشغوفون بها، ليس ذلك على المستوى المحلي السعودي فحسب بل كانت المصدر الرئيس للأخبار ومتابعة البرامج، ولنا في هيئة الإذاعة البريطانية أقوى مثال.. ثم بدأ نجم الإذاعة يخبو مع بوادر احتواء القنوات الفضائية على اهتمام المشاهد وحتى المستمع فتضاعفت مسؤولية الإذاعة في كيفية الحفاظ على جمهورها الذي هو عمادها فعادت تسعى إلى تجديد موادها وتنويعها وجذب المستمع بمختلف وسائل الجذب الجماهيري والمباشر والنقل الحي والمتابعة الفورية للأحداث، علها بذلك تعيد أو على الأقل تحافظ على نصيبها من المستمعين.. ومع أن لإذاعتنا خصوصية المكان - المملكة موطن المقدسات - وخصوصية الزمان - المواسم المختلفة - فإنها سعت، والحق يقال، إلى أن تواكب العصر برامجيا وتقنيا بقدر ما تستطيع فهناك الإذاعتان الرئيستان، وإذاعة القرآن الكريم، والإذاعات الموجهة باللغات المختلفة الإنجليزية والسواحلية والأوردية وغيرها وهي كلها ذات رسالة وصوت لهذا الوطن الثري والغني أولا بمقدساته ثم بتاريخه وحضارته وثقله السياسي والاقتصادي؛ فبالتالي تضاعفت مسؤولية إذاعتنا، ومع أن الإذاعة حققت كما قلت بعضا من طموحها فإن مسؤوليتها كبيرة من جميع النواحي البرامجية والتأهيلية والتقنية؛ ففي النواحي البرامجية من الأهمية بمكان أن تستثمر الإذاعة تحويلها إلى هيئة بما يعطيها ذلك من مرونة مالية وإدارية تستطيع من خلالها استقطاب أبرز الكفاءات التي تسهم في تطوير الأداء الإذاعي إعدادا وتقديما وتقنية، يعضد ذلك تأهيل الكوادر، وقد بدأت الهيئة في رفع مرتبات العاملين فيها وهذا حافز مهم لتهيئة أفضل الفرص لهم للإبداع وإشعار تلك الكوادر بأنها شريك في المنجز الإذاعي وليس العمل فقط كوظيفة تؤدى بأجر، كما أن من الأهمية استقطاب الكفاءات من خارج الهيئة وإغراءها وتشجيعها. أما من حيث التأهيل فلعلي أتحدث عن المذيعين باعتبارهم واجهة الإذاعة وكذا التلفزيون ولسانهما الناطق وقد شرعت هيئة الإذاعة والتلفزيون فعلا في تنفيذ برنامج متخصص لتأهيل أداء المذيعين - والمتميزون منهم بالمناسبة لا يمثلون في الجهازين إلا عددا محدودا لا يفي باحتياجاتهما - والمذيع خاصة الموهوب المتميز عملة نادرة لأن مهنة المذيع - وعندي تجربة طويلة في ذلك - ليست كالمهام الأخرى بل تحتاج إضافة إلى التأهيل العلمي تأهيلا لغويا وحضورا وصوتا يضاف إلى ذلك مخارج الحروف وإتقان فن الإلقاء وحسن التصرف في المواقف وتلك معايير أساسية متى ما توافرت في المذيع سهل تدريبه من قبل مراكز متخصصة وخبراء لهم تجربتهم وباعهم. وبالمناسبة أذكر قبل سنوات عديدة كيف كان يتم اعتماد وقبول المذيعين الجدد والامتحانات الدقيقة والمقابلات التي تجرى لهم، ثم خضوعهم للتجارب المستمرة وبقاؤهم تحت التجربة والتدريب قبل ظهورهم على الهواء؛ ولذلك كان لدينا جيل سابق من المميزين في العمل الإذاعي والتلفزيوني، وأنا متأكد من أن القائمين على شؤون الإذاعة وكذا التلفزيون يدركون كل ذلك وهم أهل المهنة، ويعلمون أن عددا من الكوادر الإذاعية والتلفزيونية - خاصة الجدد منهم - رجالا ونساء يحرجونهم بأخطائهم الجسيمة خاصة في نشرات الأخبار ومواجيز الأنباء، ومع أن هناك من يبرر ذلك بأن كثرة القنوات إذاعية كانت أو تلفزيونية وطول ساعات البث تستلزم قبول عدد أكبر من المذيعين كي يغطي الحاجة لكن ذلك ليس مبررا أبدا إذ كيف يعتمد مذيع أو مذيعة في قراءة نص إخباري وهو لا يتقن أبجديات اللغة ونوعية الخبر وطريقة إلقائه، وأين؟ في صوت المملكة مهد اللغة؛ لذلك من غير اللائق أن يكون بعض المذيعين - وخاصة الجدد منهم - بهذا الضعف بل كيف يعتمد كمذيع إذا كان يفتقد الأساسيات ففاقد الشيء لا يعطيه.. والشيء بالشيء يذكر وبعيدا عن إذاعة المملكة استمعوا إلى إذاعات الـFM الجديدة التي رخصت لها الوزارة قبل أكثر من عام فمع الأسف فإنها ذات مضمون ضحل في أغلب ساعات بثها وتعتمد الأغاني والموسيقى الهابطة لذلك لا أعلم هل هذا هو الهدف الذي رخصت من أجله؟ والأسوأ من ذلك أن أغلب مذيعيها ومذيعاتها غير مؤهلين لا من حيث اللغة ولا من حيث الإلقاء وطريقته.

إنني أهيب بوزارة الثقافة والإعلام التي رخصت لها بالبث في مناطق المملكة أن تراقبها وتلفت نظرها إلى تلك المضامين التي يتعارض - أغلبها - مع قيم هذه البلاد وثقافتها وقبل ذلك دينها، لكن إن كان جوابهم أنها قنوات شبابية خفيفة وهذا نهجها!! فأقول قننوا هذا الهدف وهذبوه واجعلوا الترفية جزءا من بثها وليس كلا.. واجعلوا التثقيف والتوعية للشباب هدفا رئيسيا بأسلوب محبب للنفس ومشوق ومقبول. خلاصة القول إن تأهيل الكوادر بمراكز تدريب متقدمة وبالاستفادة من الخبراء ذوي التجارب في المجال الإذاعي والتلفزيوني أمر بالغ الأهمية ولا أظنه يغيب عن بال القائمين على الهيئة.. وكان بودي الحديث عن المعلقين الرياضيين الذين أعتز بهم وكيف كانوا يعتمدون في السابق، وماذا كانت تعمل لجنة المعلقين قبل سنين عديدة برئاسة الأستاذ زاهد قدسي رحمه الله من أجلهم، وماذا يمكن أن تفعل الآن قنواتنا الرياضية لتأهيلهم، لكن المساحة قصرت دون التفصيل بشأنهم، وقد يكون لي عودة في مقالات قادمة عن رؤيتي تجاههم.. وفق الله الجميع.