كمواطن، يفرحني ويؤلمني كثيراً ما تذيعه وزارة الداخلية بين وقت وآخر عبر وسائل الإعلام عن عمليات مصادرة كميات ضخمة من أنواع المخدرات والمسكرات، بالإضافة إلى إحباط عمليات أخرى ربما أكثر قبل وصولها إلى بلادنا لا يعلن عنها، كما يؤلمني ما تتعرض له بلادنا من هجوم بشري ـ غير نظامي ـ كاسح يذكرني بأسراب الجراد في الماضي التي تم القضاء عليها بالمكافحة فلم تعد في وقتنا الحاضر.

ويكمن الألم الحقيقي في أن هذه الدول التي ترسل لنا كل هذه الآفات بشتى الأنواع والحيل والطرق هي دول بعضها عربي وبعضها مسلم، وقلة منها من الدول العدوة ويا للأسف! هذه الدول والشعوب التي تأتينا منها كل هذه السموم، وكل تلك الموبقات البشرية كالدعارة والسرقات والقتل والاحتيال وتهريب السلاح، وتصدير الإرهاب والسحر والمشعوذين... إلخ، هي دول شقيقة وصديقة في معظمها، وشعوبها ليس بيننا وبينهم أي عداوة أو حروب أو مشاكل، وهي تحج سنوياً إلى بيت الله الحرام بأمن وأمان ومساعدة وضيافة على مستوى الدولة والمواطن، وتعتمر في معظم أشهر العام، فتجد نفس الاستقبال والمعاملة الكريمة من المسؤولين والمواطنين في الديار المقدسة، بل وفي أي بقعة يزورونها في بلادنا أو يمرون بها، هذه المعاملة الكريمة هي السمة البارزة لبلادنا المقدسة، إلا من شذ بالتصرف من مسؤول أو مواطن، والشاذ لا حكم له!

هؤلاء الإخوة في الدين في معظمهم، وفى العروبة في بعضهم، تؤوي بلادنا منهم الملايين: (حوالي عشرة تقديراً، و8 رسمياً) فيعملون ويحصلون على أجر عملهم.. فيحيون بها بيوتاً وأسراً في بلدانهم من عرق جبينهم أولاً، ومن الفرصة الذهبية التي أتحناها لهم ثانياً، فيهم أغلبية صالحة جاءت من أجل العبادة أو العمل الشريف أو اللجوء من القهر والاستبداد، إلى حرم آمن، بل هو حرمان في (مكة والمدينة) حماهما الله بالأمن والإيمان والسكينة، وجنبهما الفتن وعوادي الزمان، ولا شك بأن هؤلاء الإخوة الذين يأتون إلى بلادنا للحج أو العمرة أو العمل، قد سمعوا من آبائهم أو أجدادهم قصصاً مهولة عن ماضي هذه البلاد قبل توحيدها، عندما كان الحاج أو المعتمر يكتب وصيته قبل أن يودع أهله! ويتعرض للموت والسلب والنهب والابتزاز قبل أقل من قرن من الزمان! كما كان الفقر والجهل والمرض تسيطر على بلد، ومجتمع متفرق، بل متكسر إلى شظايا يحارب بعضها بعضا، ويأكل القوي الضعيف، كما تفعل الحيوانات!

وبعد التوحيد السياسي للوطن الكبير.. جاء الأمن الذي تضرب به الأمثال في بلد شاسع، ذي بيئة قاسية، وشعب تغلب عليه البداوة في ذلك الحين.. وبعد ذلك جاء الخير مع البترول، وأصبحت بلادنا جاذبة بعد أن كانت طاردة! وكما يقال في الأمثال "ديرة العز جلابة"!

هذه لمحة بين يدي موضوع مؤلم وساخن، بل ومستمر في إيلامه وتوقده، وكأن قدرنا قد أصبح كذلك، وكأننا لا نملك أي حل حاسم.

ومع إشادتي بجهود أجهزة وزارة الداخلية من حرس حدود وإدارة مكافحة المخدرات والمباحث الجنائية والشرطة.. إلخ، فإن هذه الجهود الجبارة التي كلفتنا كثيراً من دماء الشهداء والمال والوقت لا تكفي لحسم هذا الوباء الذي يهاجم بلادنا من دول محيطة بنا يعرفها الجميع، أو لا تحيط بنا ولكنها توجد في منطقتنا العربية أو العالم الإسلامي، فهي في نطاقنا الذي ننتمي كلنا له.. وبعضها لولا مساعدات المملكة لسقطت دولها وضاعت شعوبها.

ولو استعرضنا الدول التي تحاربنا حرباً حقيقية طويلة ومؤلمة بالمخدرات والمسكرات والدعارة والتسلل الذي نتيجته إذا أحسنّا الظن: السرقة أو التسول أو الرق الأبيض، وهو واضح في المدن الكبرى وحتى الصغرى، لوجدنا هناك عصابات خارجية، يساعدها عناصر داخلية كلها تساعد هذا المشروع الإجرامي على بلادنا وشعبها المسالم.

إنني أعجب من هذا العدوان المقصود على بلادنا وشعبها من دول وشعوب تنال منا كلها مساعدات مادية تقدر بالمليارات، وأخرى معنوية لا تقدر بثمن! فهل هم يكرهوننا بكل هذا القدر من الحقد؟ ويكرهون بلادنا المقدسة المعطاءة وشعبها الكريم؟ يبدو أنهم يسيئون إلى مقدساتنا، وهي مقدساتهم كذلك، ويتنكرون لمعروفنا وكرمنا معهم.

وأخيراً؛ فإن الكلام وحده لا يكفي وأرى - والرأي لأصحاب القرار - أن نتخذ أساليب جديدة في مكافحة هذه الآفات، فلا يمكن أن نبقى على هذه الحال من ردود الأفعال، وتلقى الضربات، دون كسر اليد التي تمتد لنا بالشر والإثم والعدوان لتحطيم بلادنا وأهلها ومكتسباتنا الوطنية.

آن الأوان لإعادة النظر في مساعداتنا المادية والمعنوية، وعدم استقدام أي عمالة منهم، بل وتوصيل العلاقات التجارية والدبلوماسية معهم إلى أدنى مستوى أو حتى قطعها. وهذا هو السبيل الوحيد لرد كيدهم في نحورهم.