شمولية التعليم في المملكة تعد علامة فارقة مميزة للسياسة التعليمية، إذ استطاع المخططون أن يشملوا بخطتهم التعليمية لتغطية جميع مناطق ومدن وقرى وهجر المملكة، ولم يعد التعليم عقبة لدى راغبي التعلم، وتكاد تكون قد اختفت مدارس تعليم الأمية.
وللحقيقة، فإن ميزانية وزارة التربية والتعليم لتعميم التعليم وتطوير المدارس وبناء مدارس جديدة والتوسع في نشر المدارس في جميع أنحاء المملكة هي أيضاً تحسب لوزارة التربية والتعليم في عهد وزيرها الأمير فيصل بن عبدالله، حيث وجه الاهتمام إلى المعلمين وهم أحد أهم الركائز في العملية التعليمية، كما اهتم بتطوير المناهج وتحديثها وتطوير الوسائل التعليمية من خلال التقنية الحديثة. وبعد هذه الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة من خلال وزارة التربية والتعليم تنتهي مهمة الوزارة بعد تخرج الطلاب والطالبات من الثانوية العامة لتتحول المسؤولية ـ على وجه العموم ـ إلى وزارة التعليم العالي من خلال الجامعات والكليات الجامعية الحكومية والأهلية المنتشرة في أنحاء المملكة، أو يتحول جزء من المسؤولية إلى المؤسسات التعليمية المهنية الأخرى وعلى رأسها المؤسسة العامة للتدريب الفني، وقبل تحول المسؤولية إلى هذه المؤسسات أو إلى وزارة التعليم العالي تبدأ المسؤولية الأولى والمهمة جداً في حياة خريجي الثانوية العامة، وهي مسؤولية الخريج نفسه في اتخاذ القرار الاستراتيجي المهم لمستقبله، والذي سيرسم له خارطة الطريق لمستقبله الزاهر.
وفي سن الثامنة عشرة من عمر خريجي الثانوية العامة يكون قرار تحديد المسار التعليمي المستقبلي صعبا، وفي معظم الحالات التي لا يحظى الخريجون باستشارة آبائهم أو أساتذتهم أو مدارسهم مع عدم توافر المعلومات المسبقة عن مستقبل مسار كل تخصص تعليمي جامعي، يبحث الخريجون عن المسار الأسهل والتخصص الأقرب لهم للحصول على الشهادة الجامعية، فيتدفقون إلى الكليات النظرية لسهولة القبول ومرونة الدراسة فيها، ويقل الحماس للتسجيل في الكليات العلمية لصعوبة شروط القبول وصعوبة الدراسة فيها، كما يبتعدون عن الكليات التي تعتمد اللغة الإنجليزية كأساس للتعليم. ومما يؤكد هذا البيانات التحليلية التي توضح أن أعلى نسب قبول وتسجيل هي في الكليات النظرية، وهذا ما يدفعني اليوم لتوجيه رسالتي لأبنائي خريجي وخريجات الثانوية العامة، بعد تهنئتي الحارة بنجاحهم من هذه المرحلة التعليمية المهمة في حياتهم، وهي رسالة نابعة من خبرة ورؤية وممارسة علمية وعملية ومن واقع ملموس أتابعه باهتمام؛ أطالب في رسالتي لأبنائي خريجي الثانوية العامة بضرورة التفكير مليا قبل اختيار التخصص الجامعي، وألا يندفعوا إلى التخصصات السهلة في الكليات النظرية، ومع كامل احترامي وتقديري لهذه التخصصات الجامعية، إلا أنها قد لا تحقق رغبتهم في الحصول على فرصة وظيفية مستقبلاً، وقد تكون معضلة تؤخر فرص الحصول على وظيفة نظراً لعدم حاجة سوق العمل لهذه التخصصات، ولهذا فإن نشر المعلومات الدقيقة عن احتياجات سوق العمل من تخصصات جامعية أو مهنية يعد ضرورة أساسية لتثقيف خريجي الثانوية العامة ليرسموا خارطة طريقهم من خلال التخصصات المطلوبة. وعلى سبيل المثال؛ المملكة بحاجة إلى أكثر من أربعين ألف وظيفة طبية وأكثر من مئة ألف وظيفة مهندس وعشرات الآلاف من الممرضين والمساحين الهندسيين والصيادلة والمهنيين خريجي الكليات والمعاهد المهنية في تخصصات مهنية وحرفية متعددة وغيرها من التخصصات التي يبحث عنها سوق العمل، ومنها التأمين التعاوني الصحي والعام وتخصص إمدادات الأعمال (لوجيستيك) وتخصصات سوق الإعلان.
إن جميع هذه التخصصات وغيرها مطلوبة لسوق العمل حتى قبل تخرجهم وفي فترة التدريب الميداني على وجه الخصوص، وهذا يؤكد نصيحتي لأبنائي الخريجين، الذين بدؤوا في البحث عن مسارهم التعليمي الجامعي أو المهني: (ابحثوا عن التخصصات العلمية والتخصصات التي يطلبها سوق العمل حالياً ومستقبلاً، والتي يتنافس القطاع الخاص والعام على استقطابها وعلى وجه الخصوص بعد حملة تصحيح وضع العمالة في السوق السعودية)، كما هي رسالة إلى أولياء الأمور آباء وأمهات بأن عليهم أن يساعدوا أبناءهم في التوجيه للمسار التعليمي الصحيح، الذي يساعدهم في الحصول على وظيفة لائقة أو مهنة شريفة بعد التخرج. وعليهم ألا يتأخروا عنهم بالاستشارة والتوجيه وإتاحة الفرصة لهم بالاطلاع على احتياج سوق العمل مستقبلاً، فالمعلومات متاحة لدى وزارة العمل ووزارة التخطيط ووزارة التعليم العالي.
إن الحصول على الوظيفة اللائقة أصبح هاجس جميع خريجي الجامعات وأصبح همّ كل أسرة تفرح بأبنائها بعد حصولهم على الشهادة الجامعية، التي لم تعد هي المؤهل الوحيد للعمل، فالتخصص يأتي على رأس قائمة متطلبات العمل حسب الاحتياج، واللغة الإنجليزية، ومهارات أخرى مثل الحاسوب ودورات تدريبية متخصصة أصبحت هي الإضافة الأساسية المرجحة للخريج في التنافس للحصول على الوظيفة.
أبنائي الخريجين والخريجات: لا تأخذكم الفرحة بحصولكم على شهادة الثانوية وتنسوا القرار الأهم، وهو الاختيار الموفق الذي يضمن لكم الوظيفة مستقبلاً، ولا تسيروا خلف عواطفكم للتسجيل مع أصدقائكم في أية كلية، لأن المهم هو البحث عن التخصص الذي له مستقبل. وليس بالضرورة أن يتوافر التخصص الذي ترغبون فيه في الجامعة أو الكلية الموجودة في مدينتكم وبقرب أهلكم، بل عليكم أن تبحثوا عنه في أية جامعة من الجامعات السعودية، فمناطق ومدن المملكة جميعها بلادنا فلا غربة في الوطن. إن ما يدفعني إلى مقالتي هذه هي معرفتي أن قرار اختيار الجامعة والكلية والتخصص ليس بالسهل، كما أنه ليس صعباً اتخاذ القرار فيه.