منذ صغرنا ونحن نسمع في النسخة الإذاعية من مسلسل "أم حديجان" عبارة: "قام بجميع أدواره الفنان عبدالعزيز الهزاع"، وفي النسخة الكرتونية المنتجة مؤخرا ما زال الهزاع يؤدي جميع الأدوار في هذا المسسل الرائع، ولطالما تساءلت كيف يستطيع الهزاع أن يميز هذه الأصوات ويؤديها دون أن يخلط بينها.

كنت في حوار مع مجموعة من المحامين عن الكيانات العائلية وكان من ضمنهم زميلنا الحبيب "د. إبراهيم القصير" الذي اختصر النقاش فقال: كثير من الكيانات العائلية في المملكة مثلها مثل مسلسل أم حديجان، يقوم الملاك بجميع الأدوار فيها، وكم كان تصوير الدكتور إبراهيم لبعض الكيانات العائلية في بعض ممارساتها دقيقا على ما فيه من الفكاهة واللطف.

الكيانات العائلية في الغالب لم تؤسس لتكون عائلية، بل أصبحت كيانات عائلية بمحض التطور الطبيعي للعمل فيها، والذي يسير جنبا إلى جنب مع النمو الطبيعي لأسرة مؤسس الكيان، فكلما مضى الزمن وكبر هذا الكيان زاد ارتباط أفراد الأسرة (بعضهم أو كلهم) به، وتأتي الأدوار التي يقوم بها البعض في هذه الكيانات بحكم الممارسة والصدفة دون قصد أن تخصص وظيفة معينة لابن معين فيما عدا منصب "الرجل الثاني"، الذي يستحوذ عليه في الغالب الابن الأكبر لمؤسس الكيان بغض النظر عن مدى الجدارة في الاستحقاق، والذي يعيش بعد ذلك في جلباب أبيه حين تنتقل إليه الإدارة.

هذا النمو العضوي الطبيعي لهذه الشركات، يزرع فيها دون أن يشعر ملاكها بذرة لعلامة استفهام تكبر مع استمرار الشركة عن طبيعة الأدوار التي يقوم بها الملاك، فهم الشركاء في الشركة، وهم أو جزء منهم مجلس الإدارة أو مجلس المديريـن (بحسب طبيعة الشركة)، ومنهم الرئيس التنفيذي ونوابه ومعظم المواقع المهمة، وقد لا يكون في ذلك إشكال في ظل وجود المؤسس الذي تبقى له كلمته المسموعة ما دام موجودا، ولكن مظاهر الخلاف تبدأ في البزوغ حين يبدأ الجيل الثالث في الوصول لمرحلة تؤهله للعمل في الشركة التي نشأ معتقدا أنها "ملكه" ويرى أن والده قد أهله بما فيه الكفاية ليقفز فوق قدامى الموظفين ويزاحم الجيل الثاني والشركاء المؤسسين في تولي المناصب القيادية في الشركة والدخول في مجلس الإدارة وربما تمثيل بعض الشركاء في جمعيات المساهمين أو الجمعية العمومية للشركة.

هذه التداخلات تأتي معها المساءلات المعتادة عن صحة بعض القرارات وما ترتب عليها من استحقاقات لبعض الشركاء امتدت بطبيعتها سلبا أو إيجابا لبعض أفراد الجيل الثاني والثالث، وهنا تظهر للطفو خطورة أن تكون طبيعة إدارة الشركة قائمة على مفهوم "أم حديجان"، فكثير من الشركات التي نقوم بمراجعة وثائقها ترينا أن الشركاء لا يراعون كثيرا الفوارق النظامية بين طبقات الشـركة الثلاث (الشركاء ومجالسهم، ومجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية)، كما أنهم لا يراعون كثيرا ما يقولون عنه في البداية إنه من باب التعقديات والشكليات، وهو تدوين محاضر اجتماعات الشركاء ومجالس الإدارة لتتبع القرارات المهمة في مسيرة الشركة والتعامل مع آثارها بالشكل اللائق إذا ما تطلب الأمر ذلك.

لهذا فإنه من المهم أن يبادر الشركاء في الكيانات العائلية لوضع المواثيق والسياسات اللازمة لتوضيح مدى ارتباط هذه الكيانات بالعائلة، ومدى استحقاق أفراد العائلة ليكونوا عاملين في هذا الكيان، وما يترتب على ذلك من مستحقات سواء كمرتبات أو مكافآت أو من خلال توزيع الأرباح، كما أنه من المهم أن يكون هنالك من يدير اجتماعـات أفراد العائلـة ويوضح لهم صفتهـم أثناء الاجتمـاع أي يبين لهم أنهم مجتمعون بصفتهم شركاء وأن الاجتمـاع عبارة عن اجتماع "عادي" وهو ما يمكن أن يُخرج بعض القرارات التي يأخذونهـا في هذا الاجتماع عن النظام، أو "غير عادي" بحيث يمكنهم أن يأخذوا القرار، كما يبين لهم في حالة اجتماعهم بصفتهم أعضاء في مجلـس الإدارة ما يدخل في اختصاصهم بهذه الصفة وما يحق لهم أن يتخذوه من قرارات وما لا يحق لهم أن يتخذوه أثناء ارتدائهم لقبعة (أوشماخ أو غترة) مجلس الإدارة مقارنة بقبعة الشركاء، وذات الأمر ينطبق على الشركاء حال أدائهم لأدوار تنفيذية في الشركة إذ يخرج عن اختصاصهم بعض الصلاحيات التي يملكونها بصفتهم شركاء أو أعضاء في مجلس الإدارة.

تظهر أهمية الالتزام بشكليات وطبيعة القرارات المتخذة في هذه الاجتماعات عند بدء الكيان العائلي في التحرك نحو الحوكمة ووضع الهايكل الإدارية وبيان الاستحقاقات، إذ يكون عدم الالتزام بها مثل اللغم في حديقة النجاح قد ينفجر في أية لحظة وينهيها، وقد رأيت بعض الكيانات التي عصفت بها هذه الشكليات إذ أعطت حقوقا وضيعت أخرى لمجرد أنها لم تصدر بشكل صحيح أو أنها لم تقيد وتحفظ في السجلات بالشكل الصحيح.