كانت الكاتبة والشاعرة والرسامة الإيرانية (كاميليا انتخابي فرد) في السادسة من عمرها حين سقط نظام الشاه وقام نظام الخميني، واختارت عائلتها أن تبقى في بلدها رغم فرصتها في المغادرة.
تفتتح كاميليا انتخابي فرد كتابها "سيرة إيرانية" بإهداء إلى ذكرى والدها، وإلى أمها الشجاعة والاستثنائية، وإلى كل الذين بقوا في إيران. كانت والدتها متيمة بحب الشاه، لأنها تعتبر أن الفضل يعود له في نيلها حريتها من القيود التقليدية، في ظل دعمه لنيل المرأة حريتها واستقلالها، بداية اندلاع الاحتجاجات ضد الشاه، كانت كاميليا وعائلها يقضون عطلة الصيف في لندن، وفي (هايد بارك) حدثت مشادة بين والدتها وبين شبّان إيرانيين يهتفون بشعارات مضادة للشاه، فنهرتهم: أيها الجاحدون، إن الشاه أعطاكم نقوداً كي تلتحقوا بالمدارس والآن حولتكم النقود إلى ذئاب! في لندن كانت والدتها لا تخفي دعمها للشاه، لكن الأمر تغير حين عادت إلى إيران في ظل التوترات وإمساك الملالي بالسلطة.
لم تستطع حكومة الشاه السيطرة على الأمور في ظل فوضى الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد، فأُغلقت البنوك، وأضرب عمال مصافي النفط، وشركات الكهرباء، وأعلنت الحكومة الأحكام العرفية وحظر التجول، وكانت الشرطة والمسلحون الموالون يقتلون مئات المتظاهرين يومياً. وفي ظل هذه الظروف كان أقارب والدها من ذوي الرتب العالية في بعض أفرع القوات المسلحة يترددون على منزل العائلة، فكان ذلك مبرراً أن يكتب بعض المتحجّين على جدار منزل العائلة: "جواسيس"، وتؤكد كاميليا: "لم نكن ثوريين، ولم نشارك في التظاهرات".
وبرغم محاولات الشاه استعراض مكافحة الفساد، وسجنه لبعض كبار موظفي الدولة ومنهم رئيس الاستخبارات الجنرال نعمة الله نصيري ورئيس الوزراء عباس هويدا. وعندما غادر الشاه في ظل تسلم شاهبور باختيار رئاسة الحكومة، بدا للناس أن الأزمة خفت حدتها، إلا أن الأمور انقلبت رأساً على عقب بعد إعلان الخميني العودة إلى إيران، وقد أغلق رئيس الحكومة المنافذ أمامه وهدد بإسقاط طائرته، إلا أن الأمر انتهى عند استقالته ومغادرته إلى فرنسا حقناً للدماء ومنعاً لنشوب حرب أهلية.. ووصل الخميني على طائرة الفرنسية مبشراً الشعب الإيراني بنيل حريته، وبعد وصوله بعشرة أيام أُعلن انتصار الثورة وأذاع التلفزيون الرسمي: "عندما يرحل الشيطان، تحل الملائكة"!
وتؤكد كاميليا انتخابي فرد أنه تفرق شمل عائلتها وتبدل مصيرها كبقية العائلات، في ظل استيلاء المحاكم الثورية على الأموال والممتلكات.
التحقت الكاتبة في الصف الأول الابتدائي بعد أن فرض الخميني غطاء الرأس على الفتيات وقررت الحكومة الثورية الفصل بين الجنسين. وفي ظل مزاج شعبي سيئ احتلت مجموعة من الشبان السفارة الأمريكية واحتجزوا "الرهائن الأمريكيين" وصار العلم الأمريكي يداس بالأقدام. وبعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية، فرضت الثورة قيوداً على شتى وسائل الإعلام، وكان والد كاميليا "يطفئ جهاز التلفاز ويلعن العالم الذي قيّدنا بقناتين بالأبيض والأسود" ويقول إن ذلك يعود إلى أنّ العمائم لا تتألف إلا من هذين اللونين!
وفي ثانوية "الهدى" أكملت كاميليا المرحلة الثانوية، وقد بدت التغيرات الاجتماعية التي فرضتها الثورة تظهر في بداية تسعينيات القرن الماضي، إذ تشير الكاتبة إلى أن هذه المدرسة أنموذج يمثّل "مركز الصدامات الطبقية والثقافية في طهران تسعينيات القرن الماضي" في ظل وجود التمايز الطبقي والاقتصادي، وفي هذه المدرسة تفتقت قريحة الكاتبة شعراً، وقد طُردت بسبب وجود "قصيدة حب" في حقيبتها، وحين سألتها المديرة الشرسة لمن كتبتها، أوضحت أنها إلى الأسرى الإيرانيين الذين تحرروا من أسر العدو، لكن ذلك لم يشفع لها، إذ كانت التهمة تدور حول السلوك السيئ والمثليّة، وكانت النتيجة طردها من المدرسة التي اعتادت فيها على وجود قريباتها وصديقاتها بمبرر ظالم. حتى اسمها كانت هنالك محاولات لتجريدها منه، بعد أن فرضت الثورة تحريم اختيار أسماء معينة، واضطر والدها لدفع رشوة مالية للموظف المسؤول كي يسجل اسم كاميليا، وفي الصف الرابع قالت لها معلمة الإرشاد الديني: إن كاميليا هو اسم امرأة غربية فاسقة، وطلبت منها أن تغير اسمها إلى سُميّة.
بعد دخولها الجامعة تعرفت الكاتبة إلى فائزة ابنة الرئيس هاشمي رفسنجاني، وبعدها بسنوات عملت في صحيفتها الإصلاحية "زِن"، وهنا بدأت تجربة حولت حياتها إلى طريق اللاعودة إلى بلدها إيران، حيث اتهمت الكاتبة بتهديد الأمن القومي وتحدي نظام الحكم الإسلامي في إيران، وسجنت عدة أشهر طالها خلالها التعذيب، فاعترفت بجرائم لم ترتكبها، فاضطرت إلى إيهام سجانها - بعد أن أقنعت نفسها- أنها تحبه، وبهذه الحيلة استطاعت أن تعيش الدور الذي رسمته لحريتها، ونجت من عقوبة الإعدام، وبمساعدة أصدقاء خارج بلادها، أنقذت نفسها واكتسبت حريتها مختارة طريق اللاعودة لأرض الولي الفقيه... في "سيرة" كاميليا الكثير من التفاصيل التي لم نذكرها، في قصص كثيرة أشبه بحبكة درامية مؤثرة.