أيام معدودة ونحتفل بالشهر العظيم، الذي كنا ننتظره بفارغ الصبر شهر رمضان المبارك، الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار بإذن الله. شهر التكافل الاجتماعي وشهر التسامح والتآخي والتعاون على البر والتقوى. في هذا الشهر يتسابق الأغنياء والميسورون لمساعدة المحتاجين ويتنازل فيه بعض أصحاب الحقوق المالية عن بعض ديونهم احتساباً لوجه الله وفك أسر المسجونين. شهر رمضان ينتظره المحتاجون والمساكين ليحظوا فيه بكرم الله عليهم عندما يسخر بعض عباده الصالحين لإخراج صدقاتهم وزكواتهم لهم لسد احتياجهم أو على الأقل الحد الأدنى من احتياجاتهم لضمان الحياة.

نعم لقد منّ الله - سبحانه وتعالى - على المسلمين في بلادنا بأن سخر بعض الفئات من رجال الأعمال - تجاراً وصناعاً وأثرياء وغيرهم - لخدمة المحتاجين والمساكين في هذا الشهر المبارك سواء من خلال القنوات الرسمية الجمعيات الخيرية المنتشرة في كل منطقة ومدينة وقرية، وهي الجهات الأكثر تنظيماً ومعرفة بوضع المحتاجين من الأسر والأفراد. وللحقيقة لا بد لي أن أشيد بدور بعض رجال الأعمال القائمين على هذه الجمعيات والداعمين لها والمساندين لجهودها ونشاطها، كما أشيد برجال الأعمال بصرف النظر عن حجم مساهماتهم، وهي تأكيد لروح التضامن بين المحتاجين المساكين والأغنياء الميسورين.

ومن هذا المنطلق أخصص مقالتي اليوم للمحتاجين والمساكين في القرى والهجر وفي المدن الصغيرة المنتشرة في أنحاء المملكة، وأوجه دعوتي لبعض أبناء هذه القرى والمدن الصغيرة، الذين عاشوا طفولتهم وبعضاً من شبابهم فيها، ثم هاجروا إلى المدن الكبيرة لتكملة دراستهم الجامعية أو العسكرية أو المهنية، وأنهوا دراستهم وانخرطوا في الأعمال الوظيفية، وبعض منهم سافر خارج الوطن لتكملة دراسته العليا ثم عاد ليتقلد وظائف عليا في المدن الكبيرة والبعض الآخر دخل مجال العمل الخاص، فنجح وكون ثروات كبيرة إلا أنهم نسوا القرية والمدينة الصغيرة، التي قدموا منها وتربوا على ترابها نسوا معاناة الضعفاء والمساكين في مسقط رأسهم، نسوا احتياجات الأبناء والأسر المحتاجة، نسوا عجز بعض الخدمات في قراهم مثل الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية وغيرها من الاحتياجات، وتنصل البعض عن انتماءاته لقريته وعشيرته وتفاخر بعضهم بتبرعاته في المدن الكبرى، تطلعاً للمظاهر الاجتماعية والإعلامية وتقرباً للمسؤولين وصناع القرار حتى أصبحت تبرعاتهم في المدن الكبيرة جزءاً من الوجاهة الاجتماعية لهم. وأنا لست ضد التبرع للأعمال الخيرية في المدن الكبيرة إلا أنني وددت لفت الانتباه إلى الجمعيات الخيرية في القرى والهجر والمراكز والمدن الصغيرة فهي في أمسّ الحاجة للدعم والمساندة، وهي جمعيات تفتقر دائماً إلى القدرة إلى الوصول إلى الداعمين والمساهمين والمتبرعين من رجال الأعمال الكبار، فتغيب المعلومة عن رجال الأعمال فتكون تبرعاتهم في دائرة مجتمعهم، وكما أسلفت أن أبناء هذه القرى أو المدن الصغيرة المقيمين في المدن الكبيرة لا يقومون في معظم الأحيان بدورهم الاجتماعي والانتمائي لقراهم وللمحتاجين فيها، حتى أن بعضهم لا يزورها بالسنوات ويتعفف البعض من عاداتهم وتقاليدهم رغم أنه شرف عظيم الاعتزاز بالانتماء للأرض والقرية ومجتمعها، الذي أنتج هذه البذور التي نمت وأثمرت في غير أرضها. إن من يسترجع ويتابع حتى اليوم ارتباط المصريين بالأرض والقرية من حيث الدعم والمساندة والارتباط العائلي والمجتمعي، يلحظ أن هذا الارتباط يسير مجرى الدم في الجسد، فكم من رؤساء ووزارات بل رؤساء ووزراء وكبار رجال الأعمال يقضون إحدى إجازاتهم السنوية المهمة عيد الأضحى أو عيد الفطر مع أهلهم وذويهم في قراهم ومحافظاتهم، وكم من مشاريع صغيرة قامت على أكتاف بعض من الدكاترة والأطباء ورجال الأعمال في قرى مصر ومن أشهر هذه المشاريع مستشفى الدكتور مجدي يعقوب، لعلاج القلب في أسوان، تبنّى هذا المشروع أشهر دكتور قلب في العالم الدكتور مجدي يعقوب، المصري الأصل البريطاني الجنسية، الذي ما زال يشرف على بعض العمليات الجراحية في القلب داخل المستشفى في بعض أيام العام.

ولن أنسى بعض مشاريع الشيخ سليمان الراجحي، التعليمية والخيرية في القصيم وغيرها، والأمثلة عديدة لبعض رجال الأعمال السعوديين في مسقط رأسهم إلا أنها محدودة، وأنا في مقالتي اليوم بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك أناشد رجال الأعمال والتجار الأثرياء بأن يوجهوا جزءا من صدقاتهم وزكواتهم لأبناء القرى وللجمعيات الخيرية فيها وللمدن الصغيرة، التي لا يصل لها ما يغطي احتياجاتهم من التبرعات والمساهمات. كما أناشد أبناء هذه المدن والقرى الساكنين المدن الكبرى، بأن يتعاونوا على تجميع التبرعات لجمعياتهم الخيرية في قراهم، وأخص رجال الأعمال على وجه الخصوص من تلك المناطق، مقدماً شكري وتقديري لوزارة الشؤون الاجتماعية صاحبة الفضل الكبير في دعم الجمعيات الخيرية في جميع أنحاء المملكة، متمنياً عليها زيادة حصص الجمعيات الخيرية في القرى والمدن الصغيرة من مخصصات الضمان، حيث إن هذه الجمعيات لا تحظى بدعم كبير من تبرعات مجتمعاتها نظراً لظروفهم الاقتصادية. قبل أن أنهي مقالتي اليوم أتوجه بنداء من القلب لزملائي التجار بألا يستغلوا الظرف ويجعلوا من رمضان مطمعاً لتجارتهم وفرصة لرفع أسعارهم، والأصل عكس هذا ومراعاة الله ومراقبة الله في تجارتهم ولهم فيها أجر.